تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

الحرية وصناعة الفوضى

خميس البلوشي

الحرية، تلك الكلمة الساحرة التي تلهم النفوس وتحرر الأرواح، هي من أعظم الهبات التي يمكن أن ينعم بها الإنسان. فمنذ الأزل، كانت الحرية هدفاً سامياً ينشده الأفراد والجماعات، يشعل الثورات، ويغير مسار التاريخ. ولكن، هل يمكن أن تكون الحرية، في بعض الأحيان، بوابة لصناعة الفوضى؟
الحرية ليست مجرد كلمة ترددها الألسن، بل هي حقٌ أساسي وجوهري للإنسان. إنها تعني قدرة الفرد على اتخاذ قراراته بنفسه، والتعبير عن آرائه وأفكاره بحرية، وعلى السعي لتحقيق طموحاته دون قيود تعسفية. والحرية هي أن يكون الإنسان سيد نفسه، لا يخضع لغير عقله وقيمه.

لكن الحرية، حينما تُساء ممارستها، يمكن أن تتحول إلى فوضى. وفوضى عارمة، فعندما يعتقد الأفراد أن الحرية تعني التحرر من جميع القواعد والضوابط، ويشيع بينهم سلوك غير مسؤول قد يؤدي إلى زعزعة النظام الاجتماعي. فالفوضى ليست نتيجة الحرية الحقيقية، بل هي نتيجة لتفسير خاطئ لمعنى الحرية.

فالحرية المسؤولة هي التي تراعي حقوق الآخرين، وتلتزم بالقوانين التي تحفظ النظام والعدالة والعادات والتقاليد. فهي تلك الحرية تدرك أن الحقوق تأتي مع واجبات، وأن المسؤولية جزء لا يتجزأ من الحرية. إن الحرية الحقيقية تتطلب نضجاً فكرياً وأخلاقياً، حيث يدرك الفرد أن حريته تكمن وتنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.

وتاريخنا مليء بالأمثلة التي تظهر كيف يمكن للحرية أن تصنع الفوضى إذا لم تُضبط بالحكمة والرؤية السليمة. ففي فترات الفوضى الثورية، عندما تنهار الأنظمة القائمة، يعاني المجتمع من اضطرابات وعدم استقرار، قد يؤدي إلى تراجع القيم الإنسانية والأخلاقية. ولكن في المقابل، عندما تقترن الحرية بالمسؤولية، يزدهر المجتمع وينعم بالسلام والازدهار.

إذن نجمع أن الحرية هي جوهر الإنسانية وأساس التقدم والرقي. ولكنها تحتاج إلى فهم عميق ومسؤولية كبيرة. علينا أن نتعلم كيف نمارس حريتنا دون أن نتسبب في الفوضى، وأن نعي أن الحرية هي وسيلة لبلوغ السعادة والتعايش السلمي، وليست غاية تبرر الفوضى والخراب. وكما قال الحكيم: “الحرية هي روح الحياة، ولكنها إن لم تُوجه بالعقل والحكمة، صارت ناراً تحرق كل ما حولها.”

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights