تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

ماذا لوكانت الإدارة إنساناً؟ (الجزء الأخير )

غزلان بنت علي البلوشية

ماذا لو كانت الإدارة إنساناً؟ تخيّل أنك تعمل في بيئة تتحدث فيها الإدارة بلغتك، تفهم مشاعرك، وتتفاعل معك كصديق وزميل. هذا التصور الخيالي يحمل في طيّاته عُمقاً فلسفياً وعملياً يمكن أن يغيّر الطريقة التي نتعامل بها مع الإدارة في حياتنا اليومية. فالإنسانية ليست مجرد سِمة نرغب بها في علاقاتنا الشخصية فقط، بل هي عنصر أساسي يجب أن يتجسد في كل جوانب حياتنا العملية.
نستكمل في الجزء الأخير ماتبقى من المقالة.

تستّر الإدارة على أخطاء رؤساء الأقسام وأثره على المؤسسة:

تستر الإدارة على أخطاء رؤساء الأقسام على حساب الموظفين الجيدين يُعتبر من أكبر المشاكل التي يمكن أن تواجهها أيّ مؤسسة. عندما تغضّ الإدارة النظر عن هذه الأخطاء، فهي تُساهم بشكل مباشر في تدمير بيئة العمل وتقويض الثقة بين الموظفين والإدارة. يقول الدكتور ستيفن كوفي: “الثقة هي الغراء الذي يمسك العلاقات معاً. عندما تتستر الإدارة على الأخطاء، فإنها تفقد هذا الغراء، مما يؤدي إلى تفكك العلاقات المهنية وتدمير الروح المعنوية”.

أثـر التستر على المخرجـات:

عندما تغض الإدارة النظر عن أخطاء رؤساء الأقسام، فإن المخرجات تتأثر بشكل سلبي. الموظفون الجيدون يشعرون بعدم التقدير والإحباط، مما يؤدي إلى تراجع إنتاجيتهم ورغبتهم في الابتكار. بالإضافة إلى ذلك، الأخطاء التي يتم التستر عليها تتراكم مع الوقت، مما يُسبب مشاكل أكبر وأكثر تعقيداً. كما يقول بيتر دراكر “إن العمل الجماعي الفعّال لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الثقة المتبادلة والشفافية”.
لو كانت الإدارة إنساناً لفهمت أهمية الاعتراف بالأخطاء والعمل على تصحيحها فوراً. كانت ستعلم أن التجاهل يؤدي إلى تضخم المشاكل وتراجع الجودة، بينما الشفافية تُعزز من بيئة العمل وتشجع الموظفين على الابتكار والتفاني.

سوء القرارات وتصليح الفساد المؤسسي:

سوء القرارات المتخذة بسبب التستر على الأخطاء يُعزز من الفساد المؤسسي. الإدارة الضعيفة التي تفشل في مواجهة الأخطاء بحزم وشفافية تُساهم في خلق بيئة عمل غير صحية، حيث يصبح الفساد أمراً معتاداً. في هذه البيئة، تُصبح القرارات غير مبنية على أسس صحيحة، مما يؤدي إلى تدهور الأداء العام للمؤسسة. يذكر وارين بافت: “المشكلة ليست في ارتكاب الأخطاء، بل في عدم الاعتراف بها والتعلم منها.”
إن الإعتراف بالخطأ هو أول خطوة نحو الإصلاح لوضع إجراءات وقائية تضمن عدم تكرار الأخطاء، وتعمل على تعزيز النزاهة والشفافية.

سلبيات الإدارة الضعيفة:

الإدارة الضعيفة التي تُفضل التستر على مواجهة المشاكل بشكل مباشر تُعاني من عدة سلبيات، منها:
1- انعدام الثقة: الموظفون يفقدون ثقتهم بالإدارة، مما يؤدي إلى تراجع الولاء للمؤسسة.
2- تفاقم المشاكل:
عدم مواجهة الأخطاء بحزم يؤدي إلى تفاقمها.
3-تشجيع الفساد:
التستر على الأخطاء يُعزز من ثقافة الفساد وعدم الشفافية.
4- تراجع الإنتاجية: الموظفون الجيدون يشعرون بالإحباط ويُقللون من جهودهم.

التصـرف بحكمة:
التصرف بحكمة يتطلب من الإدارة مواجهة الأخطاء بشجاعة وشفافية، وعدم الوقوع في فخ التستر لحماية رؤساء الأقسام على حساب الموظفين الجيدين. الإدارة التي تعمل بحكمة تسعى دائماً لتحقيق العدالة والمساواة بين جميع الموظفين، وتحرص على بناء بيئة عمل قائمة على الثقة والاحترام المتبادل.
تستّر الإدارة على أخطاء رؤساء الأقسام يُلحق أضراراً جسيمة بالمؤسسة، حيث يُقوض الثقة بين الموظفين والإدارة، ويُعزز من الفساد المؤسسي، ويؤدي إلى سوء القرارات وتدهور الأداء العام. الإدارة الحكيمة هي التي تُواجه الأخطاء بشفافية وعدالة، مما يساهم في بناء بيئة عمل صحية ومنتجة.

المرونة والتكيف:

المرونة في الإدارة تعني القدرة على التكيف بسرعة وفعالية مع التغييرات والمستجدات التي تطرأ على بيئة العمل. الإدارة المرنة تتسم بالقدرة على الاستجابة للظروف المتغيرة دون أن تتأثر الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة. يقول تشارلز داروين: “البقاء ليس للأقوى أو الأذكى، بل للأكثر قدرة على التكيف مع التغيير.” الإدارة التي تتبنى هذه الفلسفة تكون قادرة على مواجهة التحديات والفرص الجديدة بروح منفتحة ومرونة عالية.

التطور الشخصي:
التطور الشخصي للإدارة يشمل السعي المستمر لتحسين القدرات والمهارات. الإدارة التي تسعى لتطوير نفسها تكون أكثر استعداداً لمواجهة التحديات وتقديم حلول مبتكرة.
يقول ستيفن كوفي: النجاح الشخصي يأتي من التطور المستمر. الإدارة التي تطبق هذا المفهوم تضمن تحسين أدائها وزيادة كفاءتها.

عدم الخوف من تطوير الموظفين:

الإدارة الناجحة لا تخشى تطوير موظفيها، بل تعتبر ذلك استثماراً في مستقبل المؤسسة. تدريب الموظفين وتحسين مهاراتهم يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والابتكار. يقول ريتشارد برانسون: “درّب الناس بشكل جيد حتى يمكنهم مغادرتك، وعاملهم بشكل جيد حتى لا يرغبون في ذلك. الإدارة التي تتبنى هذا النهج تضمن ولاء الموظفين وزيادة مساهمتهم في تحقيق الأهداف المؤسسية”.

الفشل في الاستماع إلى آراء الموظفين:

فشل معظم الإدارات في جميع القطاعات يعود إلى عدم الاستماع إلى آراء الموظفين في كافة الهياكل التنظيمية. فما فائدة تطبيق اللامركزية إذا لم يخضعوا لتطبيق فعلي ويصدوا عن تقصي أخبار المبدعين الموظفين، ويكتفوا بسماع البعض دون غيرهم؟ يقول بيترح دراكر: القرارات الجيدة تأتي من سماع جميع الأصوات.
الإدارة التي تتجاهل آراء موظفيها تُعزز مناخاً من الظلم والإحباط، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية وزيادة معدلات الدوران الوظيفي.
المرونة والتكيف في الإدارة تعني القدرة على الاستجابة الفعّالة للتغيرات وتحسين الأداء باستمرار. الإدارة التي تتبنى المرونة والتطور الشخصي وتعمل على تطوير موظفيها تخلق بيئة عمل صحية ومثمرة. كما يقول جون سي ماكسويل “القادة الجيدون لا يخافون من تطوير الأشخاص من حولهم، لأنهم يعرفون أن النجاح يعتمد على الفريق بأكمله”.

استنتاجات:

في نهاية هذا المقال، يتضح أن تصور الإدارة كإنسان يفتح لنا أفقاً جديداً في فهم كيفية تحسين أداء المؤسسات. عندما نتخيل الإدارة ككائن بشري، نرى أن السمات الإنسانية مثل الحكمة، والمرونة، والشفافية، والتواصل الفعّال، والتطوير الشخصي هي الأسس التي تبني عليها إدارات ناجحة. كما يُشير ستيفن كوفي إلى أن “الإدارة هي عملية قيادة الناس لتحقيق أهدافهم من خلال رؤيتهم وقيمهم. تصور الإدارة كإنسان يعزز من قيمة العدالة، ويشجع على التفاعل البنّاء مع الموظفين، ويحفّز على مواجهة الأخطاء بشجاعة.
تطبيق هذه المفاهيم يمكن أن تحدث تغييراً جوهرياً في طريقة إدارة المؤسسات، حيث يصبح التركيز على الإنسان وليس فقط على الأرقام والنتائج. الإدارة التي تتعامل بشفافية وتقدير لجميع الموظفين، وتتعلم من الأخطاء، وتبني علاقات قوية، ستتمكن من تحقيق نتائج إيجابية مستدامة.

دعوة للتفكير:

ندعوكم للتفكير في إدارتكم الخاصة وكيفية تطبيق هذه المفاهيم في حياتكم العملية. كيف يمكنكم تعزيز الشفافية، والعدالة، والتواصل الفعّال في مؤسساتكم؟ كيف يمكنكم أن تكونوا أكثر مرونة وتطوراً في مواجهة التحديات؟ تذكروا أن الإدارة، كأيّ عمل آخر، ليست مجرد مسؤولية بل أمانة عظيمة. كما يقول نيلسون مانديلا: الأمر ليس فيما تفعله، بل في كيف تفعله. نحن مطالبون أن نكون قدوة في عملنا، مُدركين أن وراء كل فعل ربّ يحاسب، وليس المقصود هنا ربّ العمل فقط، بل رب العالمين الذي لا تضيع عنده أعمال البشر.
فلا مكان لتثبيت المناصب إلى الأبد، بل الإدارة الفعّالة تستمر في التعلم والنمو. دعونا نعمل جميعًا على تطبيق هذه القيم الإنسانية في إداراتنا، لنخلق بيئة عمل تتسم بالاحترام والثقة، وتعزز من روح الفريق والإبداع.
بتصور الإدارة كإنسان، نُعيد تعريف النجاح، ونُعزز من قدرتنا على تحقيق الأهداف بطرق أكثر إنسانية وفعّالة. فلنبدأ هذه الرحلة نحو إدارة أفضل، مبنية على القيم والمبادئ التي تضمن النجاح والاستدامة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights