تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

جريمة وعسس – الجزء السابع

 

في الجزء السابق تابعنا أن “سهم” التحق بسلك الشرطة، وأن أخاه “فهم” متعثر في دراسته، والذي ما يزال غير منضبط، بل ويطلب المزيد من المال لصرفه على مجونه وسهره رفقة أقرانه، حتى أنه لجأ لتهريب بعض الممنوعات لغرض الاتجار بها للحصول على المزيد من المال، وقد تم كشف أمره وأحيل ومرافقه للقضاء لمحاكمتهما.

وحيث أن المتمرسين من قرناء السوء لا يألون جهداً في رسم الخطط وإسناد تنفيذها لفهم وأمثاله، فهم يتربصون بهم ويقفون لهم بالمرصاد، ولأن أولئكم القرناء أساساً ملازمون لفهم كما هو لا يكاد ينفرد عنهم، فَهُم أعوانه ورشداؤه في كل ما هو مخالف للقانون والنظام ورفاق دربه القصيرة، لأنه متى ما وقع أحدهم فلن يفيد أيّهم الآخر بشيء، بل قد يكون مصيرهم مشترك في الحساب والعقاب، وبذلك ها هم يرشدون فهم إلى ما هو جديد في عالم الجريمة والممنوع، إنه تهريب الأشخاص الذين يفِدون إلى البلد بطرق غير قانونية، أو أولئكم الذين يودّون المغادرة هرباً وخفية، أو حتى أبناء البلد الذين عليهم ملاحقات سواء أمنية أو قضائية ولهم مصلحة معينة تضطرهم للسفر خارج البلد باتّباعهم طُرقاً غير قانونية، كل هؤلاء أصبح فهم وبطُرقه وأساليبه المختلفة التي اكتسبها في مجال الممنوعات قادر على تهريبهم وتمريرهم لِما وراء الحدود بمقابل مغرٍ من المال، وهم زبائن يتواجدون بصفة شبه مستمرة دون انقطاع، وسُرّ بلعبته الجرمية هذه وهو قد وجدها مربحة وحسب اعتقاده وظنه البائسين غير مكتشفة، ما جعله يطمئن من عدم اكتشاف أمره، وبمشاركة زملائه التواصل مع آخرين من خارج البلد لاستقطاب المهاجرين الغير الشرعيين وقيامه هو بمساعدتهم للوصول بهم إلى وجهاتهم، وكان كثيراً ما يستقبلهم على بعض شواطئ البلاد، ولكن ذلك لم يدم طويلاً أيضاً، فقد اكتُشف الأمر من قِبل الشرطة الذين وضعوا خطة مُحكمة لضبط المجموعة، ففي عرض البحر ترصد لهم رجال حرس خفر السواحل بجهاز الشرطة بعد تحريات مكثفة وإجراءات بحثية مُحكمة وتدابير قضائية تجيز القبض عليهم ومن يساعدهم بحراً وبراً بمن فيهم فهم ومعاونيه، وما إن وصلت وسيلة النقل التي تقلّهم إلا وتمّ اعتراضها والاحتراس عليها بركّابها، ورغبةً بالإيقاع بفهم فقد تم زرع عناصر الشرطة بين الركاب المهاجرين إلى أن وصلوا الشاطئ، حيث فهم بانتظارهم، وبتنسيق أمنيّ مُسبق تحدث إليه المهرب يبلغه بوصوله والمجموعة الذين يرغبون بذهاب بعضهم إلى دولة أخرى وبقاء البعض الآخر في البلد للعمل، فأكد له استعداده للقيام بإيصالهم إلى وجهتهم التي يرغبون بالوصول إليها، فتم التحفظ على المهرب، فيما تولى أمر إيصال الركاب إلى الشاطئ أحد عناصر الشرطة متخفياً بشخصية مهرب، وما إن شرع فهم في تنفيذ جريمته إلا وتم الكشف عن الخطة وضبط الجميع بجرمهم المشهود، واقتيد فهم ومن معه من جديد إلى القضاء والمحاكمة.

وخلال هذه الفترة أكمل سهم مدة التدريب المقررة وتخرّج وكوكبة من دفعته وتم توزيعهم للعمل الميداني ليخدموا وطنهم الذي قدم لهم الكثير، بينما تم فصل فهم من الجامعة بعد اليأس من استقامته وعدم اهتمامه بتحسين مستواه التعليمي، وبذلك رفضه والده كما هي والدته بأن يقيم معهما في المنزل نكايةً به لما فعله ويفعله، ولم يبدِ ندماً على قرار أبويه، فقد راقت له الصحبة السيئة وهو قد نبذ من قاموسه طريق الهداية والصلاح والرشاد، بما لهذه الصفات من حمائد الأخلاق والفضيلة، وبذلك وجد نفسه حراً طليقاً من غير التزام أو ارتباط سواء دراسيّ أو أسريّ أو اجتماعي، فانحرف لعالَمه الخاصّ برفقة مَن مهّد له طريق الغواية والضلال، ولكن أخاه سهم تدخّل بينهم لإصلاح ذات البين بعد أن وجد أنه من غير الجائز أن يزداد فهم انحرافاً مُلتمساً من والديه الموافقة على عودة أخيه للبيت، فتغلبت عليهما مشاعر الأبوّة، وبذلك لم يجدا إلا الرضوخ لمطلب ابنهما سهم ووافقا على عودة فهم للعيش معهم بشرط أن يبحث له عن عمل، وأن يستقيم ويمنع نفسه عن الجريمة وصحبة رفاقه، فتحدث سهم مع أخيه ودعاه للعودة للبيت، وبحضوره اعتذر من والديه مؤكداً لهما قبول شرطهما له، وبذلك عاد للإقامة في بيت أهله وبحث له عن عمل، حيث قُبل بإحدى شركات القطاع الخاص، لكنه لم يقطع صلته برفاق الأمس، بل استمرت علاقتهم وتواصلهم ببعض، فكان لهذا التواصل دوراً في عدم استقامة فهم، فهو وجد من يزيّن له دروب الجريمة وعوائدها المجزية، ورغم أن هذا الفهم ذا شخصية جذابة حيث وهبه الله لمسات من الوسامة وهو في ذات الوقت صاحب عقل مدرك وذا وعي متّقد، إلا أنه للأسف انقاد وراء غواية المنحرفين هؤلاء، وتبع هوى نفسه في الانحراف، ومجدداً لم يلتزم ويتقيد بشرط والديه، فصاحَب رفاقه ذات ليلة للسرقة من أحد المحالّ التجارية حددوا موقعه عن ذي قبل، وما إن وصلوا الموقع إلا وباشروا عمل السرقة، فكسروا الأقفال ودخلوا الدكان وسرقوا ما خف وزنه وغلا ثمنه كما استولوا على المبالغ الموجودة بداخله التي هي من عائد عمل الساعات الماضية وفروا بغنيمتهم من غير أن يشعر بهم أحد، فقد ساعد ذلك عدم إضاءة جوانب المتجر من الخارج كما هي من الداخل وخلوّه من أي أجهزة للإنذار والمراقبة، ومع ساعات الصباح من النهار اكتشف أمر السرقة وحضر رجال الشرطة وتعاملوا مع الحدث، واستمر البحث عن الجناة حتى فترة من الزمن دون التوصل لنتائج، تبع ذلك تناسي الأمر مقابل كم الأحداث التي تتلقاها الشرطة يومياً، ليواصل فهم وزمرته جرائمهم قانعين أنفسهم وهماً وغروراً واستكباراً في الأرض بعدم كشف أمرهم والوصول إليهم.

بينما وسهم يمارس عمله وبعد مباركة رؤسائه له ها هو يبدأ بمواصلة دراسته الجامعية من خلال انتسابه بإحدى الجامعات الخاصة والقريبة من مكان عمله، فعمل ودرس وتخرّج ونال شهادته التي سعى لنيلها والتي كانت في مجال القانون وهو صلب عمله الشرطي الذي يمتهنه، ومع احترامه لمهنته ومسئوليه وما هو عليه من سمو الأخلاق العالية وسمعته الطيبة وإنهاء دراسته الجامعية تم اختياره ليكون أحد ضباط الشرطة، فتم إرساله مع كوكبة من الدارسين أمثاله للتأهيل في كلية الشرطة حتى ينهل جميعهم من المؤهلات الشرطية المقررة لهم وأقرانهم من الدارسين، وبعد فترة تدريب وتأهيل قضاها في كلية الشرطة، ها هو ذل يحصل على رتبة ضابط ويتم إعادة تعيينه في تشكيل آخر من تشكيلات جهاز الشرطة- إنه مجال مكافحة الجريمة-، حيث باشر عمله الجديد كضابط له سابق الخبرة العملية التي ستزيد من عطائه العملي الجديد في المجال الذي تم اختياره له.

وفي صباح ذات يوم ورد إلى أحد مراكز الشرطة خبرٌ عن تعرّض أحد المحالّ التجارية للسرقة منه، فكان سهم من بين طاقم العمل الذين انتقلوا لرؤية المكان بحكم مكان الاختصاص والمحيط الجغرافي لمكان الجريمة ومقر عمل سهم، حيث عاين طاقم العمل المكان ووجدوا أن الأمر يتطلب متابعة سير الجناة بوسائط النقل التقليدية لعدم تمكن الوسائط الآلية من الوصول إلى أماكن سيرهم، فتم استدعاء فرق الجياد والهجن والكلاب التابعة لجهاز الشرطة لملاحقة الفاعلين، وبتتبع سيرهم تم العثور على بعض المسروقات التي يبدو أنها سقطت منهم أثناء مسيرهم، ولكن ذلك الجهد لم يفضي إلى نتيجة، فقد انقطع عليهم الأثر وعادوا بخفّي حنين، ولكن سهم مع طاقمه قرروا العودة مجدداً إلى مكان الجريمة، فاطّلعوا على مختلف ردهات المحل من جديد علهم يجدون ما غفلوا عنه في الزيارة الأولى ليكون ما يجدوه مساعداً لهم للوصول إلى الجناة، ومن خلال ذلك تمكنوا من العثور تحت أحد الرفوف على بعض المخلفات والبقايا التي تركها الجناة، فتعاملوا معها وغادروا المكان والأمل يحدوهم بأن يتوصلوا لأؤلئكم اللصوص.

وبعد مضيّ أسبوع، ونتيجة جهود بُذلت، ومتابعة مستمرة وبحث مكثف تم الكشف عن الجناة والتوصل إليهم، فما كان إلا ساعات قلائل من اكتشافهم ويُقبض عليهم تباعاً والبالغ عددهم أربعة أشخاص، ليواجهوا جزاء فعلهم الذي كان مدمغاً بأدلة جلية في ما اتهموا به ونسب إليهم جرم ارتكابه، كما كانت النتائج مذهلة حين صرحوا بارتكابهم سرقات سابقة تبين بمراجعة سجلات الشرطة صحة وقوعها، وتم تجميع قضايا سرقاتهم إضافة إلى القضية الأساس وسيق بهم إلى القضاء لنيل عقابهم العادل، ويبدو أن هذا أول الغيث من جهود سهم الناجحة ومن يسانده في مجابهة الجريمة والتصدي لها.

  ولمعرفة سهم بوجود قضايا سرقات عالقة ببعض المراكز في منطقة اختصاص عمله، فقد تقدم بوجهة نظر مكتوبة إلى رئيسه يقترح فيها تشكيل فريق عمل لمتابعة هذا النوع من الجرائم والمسجلة في مراكز الشرطة في المحيط الجغرافي، فتمت مباركة الفكرة، وشكّل فريق العمل، وكان سهم أحد أعضائه، كما كان من المهم أن تكون عناصر الشرطة النسائية ضمن هذا الفريق لحاجة ودواعي العمل لذلك، فعمل الفريق على طلب كل ملفات القضايا التي كلف فريق العمل بالاشتغال عليها والمسجلة في مراكز الشرطة بالنطاق الجغرافي، فاستلم هؤلاء الرجال مطلبهم من كل المراكز وعكفوا على متابعة البحث والتحري في تلكم القضايا أملاً وطمعاً في التوصل إلى الجناة ببعضٍ من هذه القضايا، ومن خلال عملهم فقد توصلوا إلى ما توصلوا إليه وساقوا من ساقوه إلى ساحات القضاء، حيث كانت نتائج ملموسة ومشرّفة حُسبت لصالحهم وصالح جهاز الشرطة، ونتيجة هذه الاكتشافات التي أدت إلى نوع من الارتياح في نفوس المتضررين لم يتبقى من تلكم القضايا عدا النزر اليسير منها، وبما لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليدين، وكان من بينها تلكم التي أقدم عليها فهم ورفاقه آخر مرة بالسرقة من أحد المحال قبل بضعة أشهر، ورغم ما تم بذله من جهد في محاولات للكشف عن مرتكبيها إلا أن ذلك لم يوصل إلى الآن لنتائج تذكر، ورغم ذلك احتفظ فريق العمل بها دون إعادتها إلى مراكز الشرطة التي استلموها منها آملين أن تتكشف لهم الحقائق عبر مقبل الأيام من خلال أمرٍ يأملوه من الله تعالى أن يوفقهم إليه ويتبين لهم لاحقاً.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights