جمعية سوشيل ميديا
د. محفوظ بن خميس السعدي
في ظل التطور الرقمي السريع المطرد في عصرنا الحالي أصبحت تطبيقات التواصل الاجتماعي ذات أهمية كبيرة، حيث لعبت دوراً رئيسياً في تحقيق العولمة وتسهيل التواصل بين الأفراد حول العالم، ولقد ورد في تقرير المسح الذي أجراه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات ووزارة الإعلام في مايو 2024م حول استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي، تحت عنوان (رأي العُمانيين حول استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي): “ولا شك أن لهذه التطبيقات تأثيرا مقيساً وبارزاً على أنماط حياة الأفراد وتفاعلاتهم في المجتمع”.
ولن نغوص كثيراً في تفصيل الإحصائيات، فقد جاء التقرير متخما بالأرقام والمؤشرات التي لا نحتاج لسردها من أجل بلورة فكرة هذا المقال، بل سنكتفي بشذرات من هذا المسح بما يساعدنا على إيصال الفكرة للقارئ الكريم، ويشار إلى أن المسح أقتصر على من هم في سن ال (18) فصاعدا، وحصر رأي أرباب الأسر حول استخدام أطفالهم لتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد أظهرت النتائج حجم الاستخدام الذي وصل إلى حدود ما بين (98%) و (99%) مع مراعاة عامل الطوبوغرافيا ومراعاة التنوع الحضري والريفي والمدني، وتحديد الوقت المفضل لاستخدام تطبيقات وسائل التواصل الإجتماعي لدى الشخص بحسب المحافظة التي ينتمي إليها، وتقدير متوسط الوقت الذي يقضيه ذلك الشخص سواء أكان ذكر أم أنثى، والممارسات وأنماط الاستخدام في ظل وجود شبكة إنترنت تغطي كافة محافظات السلطنة.
بتأمل تلك المؤشرات التي حفل بها تقرير المسح نجد أنفسنا ملزمين أن نقول بأن التحول الرقمي أصبح حتمياً ومتاحاً بحيث تكون الخدمات الحكومية التي تتعاطي مع الجمهور رقمية بحتة بناء على المعطيات المستخلصة من التقرير، وضرورة استغلال تلك الأرقام والإحصائيات لصالح تسيد الواقع الرقمي المتمثل في تحقيق متطلبات الخطة التنفيذية لبرنامج التحول الرقمي ( 2012م-2025م)، ووضع مخطط بالغ الدقة ومحكم حتى تصل الخدمات الحكومية الرقمية إلى جميع المحافظات والولايات بكل يسر.
وحيث أضحت الأرضية مهيأة من خلال الأرقام الواردة في تقرير المسح، حيث شمل التقرير قياس التأثير الإيجابي والسلبي لتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي على الحياة الاجتماعية والعملية للأفراد في تلك المناطق؛ فإن هذا يجرنا للحديث عن التأكيد على تنفيذ مشروع البوابة الوطنية الموحدة للخدمات الحكومية الإلكترونية، والأخذ بها في مشروع الدليل الموحد للخدمات الإلكترونية؛ مما يسهم في دفع التوجه نحو التنمية الرقمية المراد الوصول إليها في كافة أرجاء هذا الوطن المعطاء.
تلك كانت نقطة هامة جدا، والنقطة الأخرى التي أرى استخلاصها من تقرير المسح إلى جانب ما ذكر سابقا، نجد من الأهمية بمكان استحداث أو السعي من جانب مستخدمي تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصا المؤثرين منهم أو الذين يقودون الرأي في غالب الأحوال نحو إنشاء جمعية تحت مسمى جمعية السوشيل ميديا، وهي جمعية تعنى بالمؤثرين والمستخدمين لتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إن الفئات والأرقام الذي جاء ذكرها في تقرير المسح تؤكد علي ضرورة إنشاء جمعية تطوعية تضم شباب وسائل التواصل الاجتماعي تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية، استنادا إلى قانون الجمعيات الأهلية وإلى قرار نظام تأسيس الجمعيات الاهلية بحيث تكون جمعية ذات نفع عام، فتقرير المسح لتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي ذكر أن ( 52.5% ) من الأفراد يرون بأن استخدام تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي أثرت بشكل إيجابي على حياتهم، في حين ذكر أن( 10.1% ) من الأفراد أثرت فيهم بشكل سلبي. وفي الفقرة الخاصة بتأثير استخدام تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال أوضحت النتائج أن( 41% ) من أرباب الأسر الذين تم توجيه السؤال إليهم عن تأثيرات استخدام تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي على أطفالهم، ذكروا أن استخدام تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي ساعد أطفالهم على فهم المنهج الدراسي بشكل أفضل، وأن (38% ) من أرباب الأسر يعتقدون أن تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي كلها أو معظمها تزود أطفالهم بمعلومات وأخباراً مفيدة. إن هذا كله يحدونا إلى أن نقترح جمعية لها نظامها الخاص ولائحتها التنفيذية ورئيس مجلس إدارة خاص بها تقوم على عاتق كوكبة من الشباب الممتلئ بثراء المعلومة وسهولة النفاذ إليها.
لقد أضحى لمواقع التواصل الاجتماعي تأثيراً غير خاف على الحياة الاجتماعية، حيث إن الانسان يحزن ويضحك ويعمل ويتزوج ويطلق ويدير مؤسسة ويقوم بأعمال التسويق والترويج من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي؛ مما لا يدع مجالا للشك أهمية قيام جمعية مستقلة يستفيد أعضاؤها من بعضهم بعضا، ولا تكون جزءاً من جمعية أخرى اختصاصاتها ومهامها تختلف جملة وتفصيلا عن أهداف ومنطلقات جمعية السوشيل ميديا التي ندعو إليها.
وأجد نفسي مضطراً للتذكير أن بعض تلك الجمعيات حادت عن بنود وفقرات قانون الجمعيات الأهلية الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم (14/2000م) الذي عدل بالمرسوم السلطاني السامي رقم ( 23/2007م)، والقرار الوزاري رقم (150/2000م) الخاص بنظام تأسيس الجمعيات الأهلية على الرغم من تحلق الكثيرين من العارفين بالقانون حول تلك الجمعيات، فعلى سبيل المثال وليس الحصر نجد أن المادة (29) من القرار الوزاري المشار إليه في الفقرة رقم (2) ذكر أن تكوين اللجان يكون في إطار مجلس الإدارة وليس كفروع تستحدث في الولايات برئيس وأعضاء يشابه مجلس الإدارة الأم في الجمعيات، ولا يشجع المشرع في قانون الجمعيات الأهلية على وجود فروع إلا في أضيق الحدود، وبالتالي اللائحة التنظيمية لأي جمعية يجب عليها أن تركز على مجال الاختصاص الأصيل للجمعية وليس الهاوي في ذلك المجال، فعلى سبيل المثال الطبيب الذي درس سبع سنوات أحق بعضوية جمعية الأطباء من غيره، وهكذا القياس على سائر التخصصات، وقد تشترط بعض مجالس إدارات الجمعيات من يريد أن يترشح لمجلس إدارة تلك اللجان أو الفروع في المحافظات شرط أنه يجب عليه أن لا يعمل في العاصمة، وبالتالي لا يحق له الترشح في لجنة أو فرع تلك المحافظة، وتعد هذه مخالفة صريحة للقانون وللنظام، أو محاولة استبعاد من لديه التخصص ويعمل في المجال في موقع حكومي.
في الختام أرى أنه يجب وضع تلك الثلة من القائمين والفاعلين في تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي تحت مظلة قانونية تطوعية ذات نفع عام تحت مسمى جمعية السوشيل ميديا، وفق ضوابط وبنود ومواد قانون الجمعيات الأهلية والقرار الوزاري الخاص بنظام تأسيس الجمعيات الأهلية، وأن تؤطر بنظام ولائحة خاصين بها لتكون فاعلة ومؤثرة في المجتمع، ويستفاد منها في تنفيذ الطموح الكبير في التحول الرقمي الذي تنشده حكومتنا الرشيدة في ظل النهضة المتجددة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق- أعزه الله-.