2024
Adsense
مقالات صحفية

ضاعف أموالك بالصدقة

إبراهيم بن علي الشيزاوي

ليس من الصِّحي أن يُروّجَ أحدٌ لفكرةٍ تجارية ثم يدّعي مأمونيتها بِشكْل مطلق لا يقبلُ النِّقاش، حتى أولئكَ أَصحابُ الدعايات الوهمية البرّاقة لا يجزمونَ بنجاح ما يُرَوِّجون له، قد يضعون له نسبةَ نجاح خيالية، ولكن يتجنبون إعطاء الضمانات حتى لا يُتَّهمون في مصداقيتهم – وإن كانت مصداقية مُزيفة – فكما هو معروف أن كلَّ تجارة معرّضة للربحِ والخسارة، وهذه قاعدة معلومةٌ بالضرورة لدى الاقتصاديين.

وكذلك من البديهي جداً عندما تأخذ جزءاً من شيء، أيُّ شيء، فإن ذلك يُنقصُ من حجمهِ او قيمته، وهذا من المُسَلَّمات التي يتفق بها الواقع مع علمِ الرياضيات، حيث أن أربعة ناقص إثنان لن يساوي ستة، وواحد ناقص واحد – بالتأكيد – يساوي صفر.

نعم نتفق، ونتفق أيضاً أن لكل قاعدةٍ استثناء.

إن الخبيرَ الذي قال لنا في أَولِ كتابهِ : {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ} الآية ٢ من سورة البقرة، قد أخبرنا في ذات الكتاب عن تجارة لا تنطبق عليها تلك المعادلات والقواعد، وقد قطع لنا جزماً أنها تجارة رابحة، والإنفاق فيها يكسر معادلة نقصان الشيء المأخوذ منه.

إنها الصدقة، تلك التجارة الرابحة التي لا تعرف الخسارة، بضمانات مؤكدة من الغني الكريم سبحانه: { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَٰعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [ سورة الحديد ، آية ١٨ ]

يُروى أن رجلاً كان متوسط الحال، رآه أحد اصحابه بعد مدة من الزمن وقد تغيرت أحواله وأصبح ذو حالٍ ميسور، فسأله صاحبه عن سرّ ذلك فقال: سمعت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدها: اللهم أعطِ منفقاً خلَفا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفا) فمنذ ذلك الحين لا أترك الصدقة حتى ولو بدرهم؛ لأنال دعوة الملك، وبفضل الله قد ساهم ذلك في تحسّن أحوالي المادية، وقد صدق الله: { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} الآية ٢٦١ من سورة البقرة.

لا شك أننا نؤمن بكل ما جاء عن الصدقة من آيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة، كوننا مسلمين ونؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، إلا أن الأمر المذهل أن أثرياء الغرب وهم من غير مسلمين، وبعضهم ممن ينكر وجود الخالق سبحانه وتعالى اتخذوا من الصدقة طريقة للمحافظة على أموالهم، كون أن الصدقة لها تفاعل فيزيائي مع الطبيعة:

– يُثبت قانون نيوتن الثالث للسرعة أن لكل فعل ردّة فعل مساوية ومعاكسة له في الاتجاه، فهم يؤمنون بأن الصدقة أو التبرع بالثروة – مثلما يقولون – سيعود بالنفع لهم سواء مادياً أو معنوياً، مما سيسبب بلا شك زيادة لثروتهم، يقول بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت: “الصدقة هي استثمار للإنسانية، وعودتها مضمونة”، نعم يا بيل جيتس، ونحن نؤمن بذلك بسبب آية نزلت على رسولنا الكريم قبل ألف وأربع مائة سنة: {وما تنفقوا من خير فهو يخلفه والله خير الرازقين} الآية ٣٧ من سورة سبأ.

– بحسب قوانين الفيزياء فإن الطاقة لا تُستحدث من العدم ولا تنعدم، ولكن يمكن تحويلها من شكل لآخر، وكذلك هي الصدقة أو المال يُشكّل طاقة تنتقل من المُتصدّق إلى المستحق (تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم) لتحدث على الفقير تغيّراً إيجابياً في حياته بالرغم من أن المُتصدق لا يخسر شيئاً، وبمثل هذا المعنى يقول وارن بافيت صاحب الثروة المقدرة ب١٩٣ مليار دولار: “الصدقة ليست مجرد توزيع أموال، بل هي مشاركة في إحداث تغيير في حياة الآخرين” وقد تعهد بافيت بالتبرع بنصف ثروته، وكذلك بل جيتس قد تبرع بما يقدّر ب ٩ مليار دولار في عام ٢٠٢٢.

إذا كانت هذه أفعال أثرياء الغرب مع الصدقة، فوالله إننا نحن كمسلمين أولى بها منهم، فنحن لا ننظر إلى الصدقة من منظور مادي فقط، بل نعتقد جزماً – قبل كل شيء – أنها عبادة نتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى لتكون لنا ظل ظليل يوم تدنو الشمس من الرؤوس (فالمرء تحت ظل صدقته يوم القيامة)، إضافة إلى ذلك إن الصدقة تُمثّلُ صورة رقيّ من ترابُط وتآخي المجتمع المسلم الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: (المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً) صحيح الترمذي. فليس من طِباع المسلم أن ينام شبعاناً وجاره يكابد ظلمة الليل من شدة الجوع.

نحن أهل الصدقة، ونحن الذين سيباهي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وليس من الضروري أن تكون ثرياً لتتصدق، لا ليس كذلك ابداً، فدِيننا دِينٌ كريمٌ يقدّر النية الصادقة فضلاً عن تقديره الكبير لبذل المال، فتصدق بما تجود به يدك ولا تحتقرن من المعروف شيئاً (واتقوا النار ولو بشقِّ تمرة) رواه أحمد.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights