مقال : اللغة إحدى الهويات
أحمد بن سالم الفلاحي
لست متشائما بدرجة كبيرة لما سوف تؤول اليه اللغة العربية في قادم الإزمان، ولكنني متيقنا أنها تعيش معتركا صعبا في سبيل الحفاظ على مكانتها كلغة رئيسية قادرة على المواجهة، وقادرة على الصمود والبقاء، مع يقنيني التام؛ أن هناك الكثرة الكاثرة ممن لا يرضون بقيد أنملة عن الدفاع عنها، وذلك من خلال اتخاذها كلغة رئيسية في المقام الأول، والحرص على هذا الاحتواء من خلال عدم التنازل عنها والذهاب الى مناصرة لغة ثانوية أخرى تتوازى معها في الأهمية، وفي الشعبية، وفي الشمولية.
هذا الانتماء “اللفظي”، وهذا الاهتمام “التنظيري” كثيرا ما يسقط مع أول مواجهة مع اللغة “البديلة”، وذلك من خلال تعاطينا مع معتنقيها – أقصد تلك اللغة – واستسهالنا للأمر في هذا الفعل، ولنقترب إلى واقعنا أكثر، فجميع مكاتب الشركات صغيرها وكبيرها عندنا تديرها العمالة الوافدة، وأغلبها بصورة مطلقة، عمالة غير عربية، وبالتالي نصدم في الحوار الذي يجب أن نجريه مع هذا أو هذه، حيث تجدنا نستحضر كل المفردات العصية في تلك اللحظة، والتي تعلمناها منذ المدارس لكي نجري حوارا ناجحا، ومع ذلك نسقط في مأزق “التلعثم”، نقوم بذلك ليس خيارا منا، وإنما ضرورة ملحة، أو علينا ان نبحث عن من يقوم بدورنا في تلك اللحظة، حيث يكون طرفا ثالثا، مع عدم استحبابنا لذات الموقف، هذا الواقع مؤسف في حد ذاته، لأن اللغة البديلة فارضة نفسها بقوة، وفي المقابل لغتك الرئيسية أنت تتنازل عنها بمحض إرادتك شئت أم أبيت، هنا ربما يساورك التحفظ وقد يصل إلى مستوى التعصب للغتك، ولكنك يقينا سوف تتنازل لأجل ان “تمشي أمورك” أو تخسر، في المقابل، ما أردت توصيله إلى الطرف الآخر، والطرف الآخر ليس هينا أيضا، وقد يكون اكثر منك تعنتا، ولا يعطيك فرصة توظيف لغتك، وتسيدها، ويقابلك بكل “بلاهة” انه لا يفهم ما تود قوله، وإن كان يفهم ذلك بحكم الخبرة والتجربة الطويلة، وهو يعيش في وطنك.
هذه إشكالية موضوعية في هذا الجانب، وهي واقع ربما تعيشه كثير من دول العالم، ومن جانب عملي استطاعت الحكومة أن تجعل – على سبيل المثال – أن اللغة الرئيسية في المؤسسات الحكومية هي اللغة العربية، ولكنه حتى اليوم لا يوجد أمر رسمي أن تكون لغة التخاطب في مؤسسات القطاع الخاص هي اللغة العربية، وإنما تركت المسألة لجهد الطرفين، ولأن الطرف الأول “المواطن” يحتكم أغلبيته إلى اللغة العربية، فإنه في المقابل يحتكم الطرف الثاني “الوافد” إلى اللغة الانجليزية، أو لغته الأم، ولأنه الطرف الأقوى هنا بحكم المصلحة، فإنه يفرض اللغة التي يتقنها أكثر، وظل المواطن معلق بين أكثر من لغة، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تسلسلت المسألة الى تكسير اللغة العربية الأم إلى لهجات لا تنتمي الى أية محافظة؛ اذا سلمنا جدلا أن في المجتمع العماني عدة لهجات حسب المحافظات، كما هو ملاحظ، حيث نشأت لهجة لا تنتمي الى أي لهجة، وهذا مما يؤسف له حقا.
هنا اختم بقول الناقد العراقي تحسين الناشئ؛ في مقال له نشر في مجلة العربي الكويتية في عددها الأخير أغسطس 2016م:”إن انقراض بعض اللغات سيؤدي حتما الى ضياع التاريخ المدون وغير المدون بتلك اللغات على السواء (…) مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “هنالك إحدى عشرة لغة كبرى في العالم هي السائدة في كل وسائل الاتصال والتواصل بين 78% من سكان العالم، هذه اللغات هي: الانجليزية، الفرنسية، الاسبانية، الايطالية، الألمانية، الصينية، الروسية، العربية، الهندية، الهولندية، البرتغالية”.