عصافير المكتب: سلاح ذو حدين في بيئة العمل (الجزء الأول)
غزلان بنت علي البلوشية
في بيئة العمل، تتنقل الأخبار والأقوال بين الموظفين كما تتنقل العصافير بين الأشجار. هذه الظاهرة التي تعرف بنقل الأخبار داخل المؤسسة، تلعب دوراً كبيراً في تشكيل ديناميكية التواصل بين أفراد الفريق. يمكن أن تكون هذه العصافير رمزاً للإيجابية حين تساعد على تحسين تدفق المعلومات، لكنها قد تكون أيضاً مصدراً للتوتر والفوضى عندما تتحول إلى وسيلة لنشر الشائعات والمعلومات غير الدقيقة.
مثلما تغرد العصافير لتنقل أصواتها عبر الأجواء، يتبادل الموظفون الأخبار فيما بينهم، وأحياناً يحملونها إلى الإدارة. ولكن خلف هذه الظاهرة تكمن آفة تدميرية تهدد بيئة العمل في المؤسسات؛ فالنقل غير المسؤول للأخبار يمكن أن يشعل المشاحنات بين الزملاء، مما يخلق بيئة مسمومة تدفع الموظفين الجيدين إلى البحث عن خلاص من الضغوط النفسية التي يتعرضون لها.
لذا؛ يمكننا استخدام استعارة العصافير لتشبيه هؤلاء الموظفين الذين ينقلون الأقوال والأخبار داخل بيئة العمل. ستسلط هذه المقالة الضوء على هذه الظاهرة، موضحة كيف يمكن أن تكون سلاحاً ذو حدين، وكيف يمكن للإدارة والموظفين التعامل معها بشكل يحقق الفائدة للجميع ويجنبهم الآثار السلبية التي قد تنجم عنها.
القسم الأول: العصافير داخل بيئة العمل:
في عالم الأعمال، يمكن تشبيه الموظفين الذين ينقلون الأخبار والأقوال بالعصافير التي تغرد وتتنقل من شجرة إلى أخرى.
هذه العصافير البشرية تلعب دوراً مزدوجاً؛ فهي تحمل الأخبار السارة والمعلومات الهامة التي تعزز من كفاءة العمل وتزيد من الروح المعنوية، لكنها في الوقت ذاته يمكن أن تكون ناقلة الشائعات والمعلومات المغلوطة التي تثير الفوضى والتوتر بين الزملاء.
العصافير كرمز للموظفين الناقلين للأخبار:
تماماً كما تنتقل العصافير بسرعة وخفة بين الأشجار، ينتقل الموظفون الناقلون للأخبار من قسم إلى آخر، ومن مكتب إلى آخر، حاملين معهم الأحاديث والأخبار. هم يتمتعون بمهارات التواصل والاجتماعيات التي تجعلهم دائماً في قلب الأحداث؛ مما يتيح لهم جمع وتبادل المعلومات بسهولة وسرعة، ولكن هنا تكمن خطورة الأمر؛ فكما يمكن أن تحمل العصافير الأغاني الجميلة، يمكنها أيضاً أن تحمل الأصوات المزعجة.
أمثلة عملية على كيفية انتشار الأخبار في بيئة العمل:
لنفترض أن لدينا فريق عمل صغير في شركة تقنية. أحد الموظفين، لنطلق عليه اسم “أحمد”، سمع عن نية الإدارة في إجراء تغييرات كبيرة في الهيكل التنظيمي للشركة. فبدلاً من التحقق من صحة هذه المعلومات من مصدر موثوق، قام “أحمد” بنقل الخبر إلى زملائه في الفريق، وسرعان ما انتشرت الشائعات وأصبحت موضوع حديث الجميع؛ مما أثار القلق والتوتر بين الموظفين.
في موقف آخر، نرى “سارة”، الموظفة الاجتماعية التي تتواصل مع الجميع. “سارة” تعرف كيفية استخدام مهاراتها الاجتماعية لنقل الأخبار السارة، مثل حصول الشركة على عقد جديد أو تنظيم حدث جماعي؛ مما يعزز من الروح الجماعية ويدعم التفاعل الإيجابي بين الموظفين. لكن إذا لم تكن “سارة” حذرة؛ فقد تتحول إلى مصدر للشائعات إذا نقلت معلومات غير مؤكدة.
من خلال هذه الأمثلة، نرى كيف يمكن للموظفين الذين ينقلون الأخبار أن يكونوا مثل العصافير، فهم قادرين على نشر الأخبار بسرعة وكفاءة، ولكن في الوقت نفسه، يجب أن يكونوا حذرين ومسؤولين في نقل المعلومات للتأكد من أنها دقيقة وصحيحة، لتجنب أي تأثير سلبي على بيئة العمل.
القسم الثاني: تأثير نقل الأخبار:
نقل الأخبار داخل بيئة العمل هو سلاح ذو حدين. يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية تساهم في تعزيز ثقافة الشركة ورفع الروح المعنوية، ولكن يمكن أيضاً أن يكون له آثاراً سلبية تدمر الثقة وتزيد من التوتر.
دعونا نتناول الجوانب الإيجابية والسلبية لهذه الظاهرة بمزيد من التفصيل.
(١) الجوانب الإيجابية:
أ. تحسين التواصل: نقل الأخبار بسرعة وفعالية يمكن أن يعزز التواصل بين الموظفين. فعندما يكون الجميع على اطلاع بالأحداث الجارية والقرارات الجديدة؛ يمكنهم التكيف بسرعة والعمل بشكل أكثر تناغماً. مثلاً، إذا تم الإعلان عن مشروع جديد، يمكن لفريق العمل التحضير له والتنسيق بشكل أفضل لتحقيق النجاح.
ب. تعزيز الشفافية:
عندما تنتقل الأخبار بشكل مفتوح وصادق، يشعر الموظفون بأنهم جزء من العملية التنظيمية؛ وهذا يعزز من شعورهم بالانتماء والثقة في الإدارة. على سبيل المثال، إذا قامت الإدارة بمشاركة الأخبار عن الأداء المالي للشركة والتحديات المستقبلية، سيتفهم الموظفون القرارات الصعبة ويشعرون بأنهم جزء من الحل.
ج. زيادة الروح الجماعية:
الأخبار الإيجابية مثل النجاحات الجماعية، أو تحقيق الأهداف، أو تنظيم الأنشطة الاجتماعية يمكن أن تزيد من الروح الجماعية وتعزز من الروابط بين الزملاء. هذه الأخبار تشجع على الاحتفال الجماعي وتقدير المجهودات المبذولة؛ مما يعزز من التعاون والانسجام بين أفراد الفريق.
(٢) الجوانب السلبية:
أ. نشر الشائعات:
الجانب المظلم من نقل الأخبار يكمن في نشر الشائعات. الأخبار غير المؤكدة أو المشوهة يمكن أن تنتشر بسرعة؛ مما يثير القلق والارتباك بين الموظفين. مثلاً، شائعة عن تسريحات قادمة للموظفين يمكن أن تؤدي إلى انخفاض معنويات الفريق وخلق بيئة من عدم الاستقرار.
ب. تعزيز الفوضى:
عندما تتنقل الأخبار بشكل عشوائي وبدون تأكيد؛ يمكن أن تؤدي إلى فوضى في العمل. المعلومات المتضاربة قد تشتت الموظفين وتسبب اضطرابات في سير العمل اليومي. على سبيل المثال، إذا تم تداول أخبار متناقضة عن تغيير في السياسة الداخلية للشركة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتباك في تنفيذ المهام اليومية.
ج. تقليل الثقة بين الزملاء:
عندما ينتشر الموظفون الأخبار بطريقة غير مسؤولة؛ يمكن أن يؤدي ذلك إلى تآكل الثقة بين الزملاء. فالأخبار المغلوطة أو المحرفة يمكن أن تخلق جوًا من الشك وعدم الأمان. على سبيل المثال، إذا تم نقل معلومات خاطئة عن أداء أحد الموظفين، يمكن أن يؤدي ذلك إلى مشاحنات وخلافات داخل الفريق.
فكهذا نرى أن نقل الأخبار داخل بيئة العمل يشبه حركة العصافير بين الأشجار؛ ويمكن أن يكون جميلًا ومنسجمًا، أو يمكن أن يكون مزعجًا وفوضويًا؛ فالمفتاح هو التأكد من أن هذه العصافير تنقل الأخبار بدقة ومسؤولية؛ مما يساهم في خلق بيئة عمل إيجابية ومنتجة.
ولنا في هذا الموضوع تتمة، نكملها في الجزء الثاني بحول الله تعالى.