جريمة وعسس – الجزء الثاني
خميس بن محسن البادي
في الجزء الأول عرفنا أن كل من “شهم” و”نغم” أصبحا زوجين، وفي ليلة خلوية جمعتهما تعرضا لاعتداء من ثلاثة أشخاص مجهولين، وتمكنا من النجاة منهم بعدما تعرضا لبعض الإصابات، وبعد أن ألحق “شهم” بالثلاثة بعض الإصابات وفرا من المكان إلى مركز الشرطة للإبلاغ عما تعرضا له.
أعطى المختصين من موظفي الشرطة موضوع البلاغ المقدم إليهم اهتماماً بالغاً، فتحفظوا على مركبة “شهم”، وأخذوا وصف مكان الجريمة من صاحبيّ البلاغ اللذين كانا أولى أن يُرسلا إلى المشفى للعلاج والفحص الطبي لإثبات حالة الاعتداء، بينما انتقل زمرة من الشرطة بحثاً عن المجرمين أولاً ومعاينة الموقع بعد ذلك إن كان ذلك ممكناً دون وجود “شهم” وزوجه “نغم”، فبحثوا في جنح الظلام واستمر بحثهم طويلاً دون أن يوصلهم إلى نتائج إيجابية، سواء بعثورهم على مكان الجرم أو أي من أولئك الذين عكروا صفو سهرة الزوجين، فعادوا أدراجهم بخفي حنين، ولكن لا بد لهم من معاودة البحث عند مطلع النهار الذي لم يتبقى عن انبلاجه سوى قرابة من الساعة والنصف إلى الساعتين من الزمن، حيث وفي الوقت الذي كان فيه رجال الشرطة بحاجة إلى “شهم” لمرافقتهم إلى الموقع قرر الطبيب المعالج تنويمه لما به من الإصابات تسترعي رعاية طبية له في المشفى، و”نغم” تجهل المكان الذي كانا فيه عند تعرضهما للجرم؛ وبذلك يتعذر عليها إرشاد الشرطة إليه، وفي الوقت ذاته فإن الموضوع لا يحتمل التأجيل والتسويف في إجراءاته، ورغم ذلك اضطروا لتأجيله مجبرين، لكن في الوقت ذاته تم تدوين إفادة “نغم” في شأن الواقعة وما تعرضت له وزوجها، لتنتهي من ذلك وتعود إلى المشفى لتطمئن على الزوج، ومنها عرف أن موظفي الشرطة بحاجتهم إليه لمرافقتهم في عملية البحث والمعاينة والاستكشاف، فتحدث إلى الطبيب للسماح له بمرافقة الشرطة ثم عودته للمشفى، إلا أن الطبيب عارض هذه الفكرة، فلم يكن من “شهم” إلا أن يتحمل تبعات تفاقم الإصابة إن هو غادر المشفى، وبذلك أقدم على توقيع يثبت إخلاء مسئولية وطرف المختصين بالمشفى، واتصل بالشرطة يبلغهم جاهزيته لمرافقتهم، فحضروا إليه بالمشفى حيث غادر برفقتهم متجهين إلى المكان الذي شهد ما تعرض له هو وزوجه من أولئك الأشخاص الذين لا يعرف عنهم شيئاً، وفي طريقهم أوصلوا بدايةً الزوجة للمنزل، ثم عادوا إلى مكان الجريمة بإرشاد من “شهم”، وبوصولهم المكان وصف “شهم” لهم مكان جلوسهما وحصيرة البلاستك التي افترشاها أثناء جلوسهما، والتي ما زالت في مكانها كما لو كان قد تم فرشها للتو، وعليها وعلى جوانبها آثار ومخلفات وجبة عشاءهما بعد تناثرها نتيجة العراك بينه والجناة، كما وصف لهم موقع وقوف المركبة، وعاين رجال الشرطة أرضية المكان، وشاهدوا بالمكان بعض الحجارة التي كان عليها آثار مختلفة، منها ما لونه أحمر ومنها ما هو أبيض؛ كاللعاب والمخاط وزجاج محطم، إضافة إلى بعض آثار الأقدام منها المحتذية ومنها الحافية، وبذلك كان ما كان لهم من الإجراءات في مكان الجريمة، ورغم تقفيهم للأثر الموجود والذي تتبعوه لبعض المسافة برفقة كلاب الشرطة إلا أنه لم يوصلهم لنتائج تذكر، والذي يبدو أنه انطمس وضاع عليهم الأثر ليفتقدوه عند نقاط معينة وأماكن محددة نتيجة مرور المركبات وقطع الجناة لأحد الأودية التي ما تزال تتدفق وفي مجراه المياه منذ الغيث الأخير الذي هطل قبل بضعة أسابيع، فعادوا أدراجهم بخفي حنين إلا من الموجودات التي تخلفت عن الجريمة الفاشلة والتي كان سبب فشلها فضل الله وكرمه ثم جهود الزوجين الشابين “شهم” و”نغم”، وهنا لم يكن أمام الشرطة إلا شحذ الهمم كعادتهم في الكشف عن مثل هذه الجرائم التي يمقتها المجتمع، فبالخبرة المكتسبة والعلم الملقّن والعمل المتقن، عمل رجال الشرطة على التعامل مع هذه الجريمة التي يعتبرها الجميع نكراء وشنيعة ولا تمت لعادات المجتمع وأبناء هذا البلد الكريم بصلة إلا من بعض الحالات الاستثنائية والشاذّة هنا وهناك والتي لا تمثل بطبيعة الحال إلا نفسها؛ ولهذا أعطيَت القضية أهمية وأولوية في الكشف عن المجرمين، فرغم عدم تكللها بالنجاح والكمال قبل المجرمين الثلاثة إلا أنه لا بد من الوصول إليهم والكشف عنهم بغية قطع الطريق عليهم وعلى أمثالهم ممن قد توسوس له نفسه القيام بأمر كهذا؛ ولذلك لن يتوقف الأمر عند هذه المرحلة، فالدور الأكبر ما يزال قائماً بغية العثور عليهم وتقديمهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل عن فعلهم الشنيع هذا، حمايةً وصوناً للأعراض منهم وعبرة وعظة لمن يروم السير على نهجهم النكر، وحيث أن القضية مع الشرطة التي تكتمل أركانها بالوصول إلى الجناة؛ فبذلك عاد “شهم” إلى المشفى لاستكمال علاجه وقد أعيد تنويمه، ومن جانب آخر تم التعامل مع مركبة “شهم” و”نغم” وأضحت جاهزة لاستلامها من قبل من يحق له استلامها.
ومن خلال المعاينة والوقوف على مكان أحداث الجريمة وما استُمع إليه من الزوجين المعتدى عليهما، تولدت قناعة لدى رجال الشرطة أن الجناة لا شك أنهم مصابين بإصابات نازفة وأنه لا بد وأن يجدوا علاجاً لإصاباتهم تلك من خلال أحد المرافق الصحية، إن لم يداوونها بدواءً بدائياً كما كان يتداوى به الآباء والأجداد فيما سلف، فبُذلت جهود مضنية من قبلهم كمعنيين ومختصين في البحث عن الجناة الذين لم تتوفر عنهم حتى اللحظة أية معلومات أو بيانات تساعد في الوصول إلى أي منهم، ومع الغموض الذي يكتنف هذه الجريمة النكراء لم يجد القائمين على الكشف عنها عدا تشكيل فريق عمل يعمل خصيصاً كمتفرغ للبحث عن المجرمين مرتكبي هذا الجرم، حيث سخرت لهم كافة الإمكانيات التي تدعم جهودهم وتساعدهم على ما يمكّنهم من الوصول إلى غاياتهم للمهمة التي أوكلت إليهم، وبتشكل فريق العمل وإسناد مهمة الكشف عن الجناة في القضية اطلعوا بدايةً وبروية على أوراق القضية ومحصوا بدقة فائقة مضامين وقائعها ومحتوى أوراقها، وفي اليوم الذي غادر فيه “شهم” المشفى بعد أن قرر الطبيب المختص إمكانية مغادرته لتحسن حالته الصحية. تم استدعائه وزوجه من قبل فريق العمل بمركز الشرطة لاستيضاح بعض الجوانب المتعلقة بوقائع القضية، ومن خلال جلوس رئيس فريق البحث معهما أمكن الوصول عن طريقهما إلى وصف أشكال الجناة رغم الظلام الدامس ليلتها، فأخذ ومعاونيه بفريق العمل الوصف منهما وفق المتبع لديهم، فيما أكدت “نغم” قدرتها التعرف على أول من تهجم عليها في المركبة متى ما شاهدته حتى ولو مضى على ذلك مدة من الزمن، مؤكدةً أن صورته ماثلة أمامها ولا يمكن نسيانها من ذاكرتها على المدى القريب على أقل تقدير، وبذلك لم يعد للزوجين أية مراجعات مع الشرطة حتى يتم القبض على المجرمين سواء جميعهم أو حتى أحدهم، فتم تسليمهما مركبتهما وذهبا لممارسة حياتهما اليومية، وفي هذه الأثناء يتسلم فريق العمل بعض النتائج التي قد تخدم مهمتهم في بحثهم عن المجرمين المتورطين بارتكاب هذه الجريمة، ولكنها لم توصل للأشخاص الحقيقيون الذين يتم البحث عنهم وفق المتوفر عنهم مع فريق العمل، وذلك للتباينات الواضحة والجلية بين ما هو ثابت أمامهم وما ورد مؤخراً إليهم عبر النتائج التي تسلّموها، فبحثهم هنا يتمحور حول أشخاص يعرفون جنسيتهم؛ ولذلك لم يكن من سبيل عدا تكثيف جهود البحث، فشحذت الهمم بإصرار وعزيمة الرجال، رجالٌ لا تأخذهم حتى سِنَة من نوم وثمة جريمة تضرر منها إنسان، مفترض أنه يعيش على أرضه آمناً مطمئناً، وهو كذلك لا شك طالما هناك من هم على أمنهم ساهرون وعن عرضهم مدافعون ولمالهم حامين.