المبالغة في الاهتمام ، يطمس الأهداف السامية
خليفة بن سليمان المياحي
لقد ظهر مؤخرًا مقطعًا لطفل من المملكة العربية السعودية الشقيقة، يطلب زيارة ولاية صلالة خلال موسم الخريف الحالي، وكان الطفل يخاطب والده الذي لم يتردد في تلبية طلب ولده، وإلى الآن الأمر يبدو طبيعيًا جدًا.
وبعد انتشار المقطع وتداوله معنا في سلطنة عُمان، ومن باب الإكرام، وكبادرة طيبة؛ قامت وزارة السياحة بتقديم الدعوة للطفل وأسرته لزيارة ولاية صلالة لتحقيق أمنية الطفل البريء، ولو قدّرنا لم تبادر الوزارة بذلك فإن والد الطفل بكل تأكيد سينظم زيارة للطفل وأفراد أسرته؛ فهم -ولله الحمد- يستطيعون الوصول إلى سلطنة عُمان، ولديهم الإمكانات والقدرة المادية لتحقيق ذلك.
إلى هنا، وكان يجب أن تتوقف التعليقات؛ ولكن للأسف الشديد بعض الإخوة أعطوا الموضوع أكثر من حقه، فبالغوا في الحديث عنه لدرجة أن يصل الأمر لحد إحراج الطفل وأسرته!
وساعد في توسيع دائرة الحديث عن الموضوع تلك النقاشات التي بودلت في جميع مجموعات الواتساب بسلطنة عُمان؛ مما حدا بالأغنياء ورجال الأعمال والتجار إعلان تسابقهم، الواحد تلو الآخر في إكرام الطفل، وتقديم هدايا وتسهيلات له خلال تواجده على أرض سلطنة عُمان، ولا حرج في ذلك إطلاقًا؛ فإن الكرم والجود من الصفات الأصيلة لأبناء هذا الوطن، ولكن التوسط في الأمور يعطي الأمر جمالاً أكبر (فلا مغالاة ولا مبالغة ولا تقتير)؛ فلنعطِ ونقدم إلى حد الكرم المعهود والمقبول، وإن كان من يسر وفائض مادي لدى بعضنا فإن أبواب فعل الخير مشرعة في أنحاء الوطن، وهناك من الفرق الخيرية والمشاريع التي يكاد بعضها توقف العمل بها نتيجة حاجتها الماسة للدعم المادي، وهي كثيرة بمختلف أرجاء سلطنة عُمان؛ فلنتجه إليها ولنعطي ونقدم ما يسعنا ذلك في حدود قدراتنا وإمكاناتنا.
وأخيراً؛ فإن المبالغة في العطاء والاهتمام الزائد لمثل هذه الأعمال الجميلة والنبيلة يطمس ذلكم الهدف السامي، وها نحن بعد مقطع الطفل رأينا من بعضهم أطفالاً وكبارًا يعرضون مقاطع يتظاهرون بالبكاء والحزن، ويطلبون من يوصلهم إلى هناك!وللأسف الشديد هذه الطريقة جعلت الأمر أكثر سخرية واستفزازًا، والأصل لا يجب أن نفعل ذلك؛ فصلالة موجودة، ومن لا تتاح له الفرصة هذا الموسم لزيارتها لعجز مالي أو لسبب صحي وغيره؛ فإن المواسم قادمة بإذن الله، وسيبدل الله تعالى العسر إلى يسر، ومن لا يستطيع فالذهاب لصلالة ليست فرضًا واجبٌ أداؤه؛ فإن كان الحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلًا، فما بالنا بالأمكنة الأخرى، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
ونرجو أن لا يفهم من مقالي هذا أننا نحبط الناس للذهاب إلى صلالة -حاشا لله- فصلالة معروفة لدى القاصي والداني بجمالها الأخاذ، وخاصة خلال فصل الخريف الذي نتوق إليه جميعًا للاستمتاع بنعم الله هناك؛ لما فيه من انخفاض في درجة الحرارة، ومن مشاهدة للمناظر الجميلة، والشلالات التي تبهر الناظر، والتي قل أن نجد مثلها في بقاع أرجاء المعمورة، إلى جانب الخدمات والتسهيلات والمناشط والفعاليات التي تنفذ من قبل الحكومة، والتي تتحسن عامًا بعد عام بفضل الاهتمام الكبير من قبل المسؤولين بالجانب السياحي، وبالقادمين إلى صلالة من المواطنين والسياح من جميع أصقاع العالم.
لذلك، نقول “لا داعٍ لأن نجعل من طفلي يبكي، وأستعرض ذلك، وأرسله عبر المقاطع، ليطّلع عليه القاصي والداني؛ فذلك والله مدعاة للسخرية، وليس إلى التعاطف؛ فالمقاطع التي يظهر فيها التمثيل يختلف تمامًا من المقاطع العفوية التي تأت بتلقائية وصدق”. وأني أدعوا الجميع بعدم التعليق عن موضوع مقطع الطفل، ولا عن الهدايا التي تعرض؛ فقد أفقدنا الهزل الجد، وصار الناس يخلطون بين العفوية الصادقة، وبين الدعاية المازحة.