2024
Adsense
مقالات صحفية

تركتَ إرثاً خالداً يا “حمد”

حمدان بن سعيد العلوي

المقال فنٌّ من فنون الصحافة والأدب، ويشتهر الكاتب حسب قوة تأثيره في القُرّاء من سردٍ وتشويق وجمال اللغة واختيار المصطلحات الرنّانة وأهمها الصدق ودقة المعلومة، حيث يبحر الكاتب بكلماته في أذهان القراء ليرسم صورة ذهنية تُحرّك المشاعر والأحاسيس.
وتزداد شهرة الكاتب بحساسية مواضيعه التي يطرحها والقدرة على الإقناع والتأثير في الرأي العام.

كل ذلك يحتاج إلى مهارة ودقّة وتعمُّق ومتابعة للأحداث، وكذلك البحث والقراءة، ومن يعتقد أن كتابة المقال أمر سهل فيجب عليه أن يعي أن الكتابة ليست كما يظن، حيث يبذل الكاتب جهداً مضاعفاً، فهو يعتمد في كتاباته على قوة الكلمة والأسلوب المشوّق.

فقدت الصحافة العمانية أحد أبرز رموزها الذي ترك أثراً وبصمة، حيث كنّا ننتظر بشوق ولهفة تلك المقالات التي يكتبها بأسلوبه الشيق. رحل الأب المعلم الذي كنا نستقي منه كل ما هو مثري ومفيد، والذي أعتبره شخصياً أباً روحياً أسير على نهجه، وإن اختلفتْ أساليبنا وتوجهاتنا، إلا أنه يظل مدرسةً خالدة تعلمنا منها وسنظل نتعلم حينما نعود لقراءتها من جديد.

حمد بن سالم العلوي، عرفهُ الجميع بالكاتب الوطني الحرّ، ومن لا يعرفه يدرك من خلال مقالاته أنه قائد له مبدأ، صاحب قلم مؤثر ورسالة سامية وطنية بروح عربية خالصة.

تقاعد من شرطة عمان السلطانية، حيث شغل عدة وظائف قيادية خلال مسيرته العملية، ومن عمل بجانبه وتحت إدارته يعرف جيداً من هو قبل أن يبدأ في نشر مقالاته في الصحف المختلفة بتنوّع المواضيع التي يكتب عنها.

رحل الأبُ الروحيّ كاتب المقالات الجريئة، صاحب القلم الشجاع الحر في الصحافة العمانية، المتميز بالشغف والتأثير العميق الذي يتركه في كل من يقرأ له.

رحل وسيظل في الذاكرة، وستظل كتاباته التي لا بد وأن تدوَّن ويصدر له كتاباً يُحفظ للأجيال القادمة، فهو مدرسة بنهجه المتفرد في الطرح والكتابة.

لا أخفي عليكم رغم اختلافي معه في بعض التوجهات أحياناً إلا أنني أعود لأقرأ ما يكتب أكثر من مرة لأتعلم منه الكثير، حيث أنني حين أقرأ أجد ما يشبع رغبات القارئ، فهو متمكن جداً من رسم صورة ذهنية بسهولة الطرح وسلاسة الانتقال بين فقرات المقال، هو يكتب وكأنه يتحدث، فالكتابة كما تعلمون لغة صمّاء جافة، تفتقد الصورة المكملة، ولكنه بكلماته المكتوبة يبحر بك في خيال من الواقع وكأنك تقرأ وترى وتسمع وقليل من يتقن هذه المهارة.

رحل حمد بعد أن سجل اسمه بأحرف من ذهب، سيبقى في ذاكرتنا وإن رحل، بعيداً عن صلة القرابة التي تجمعنا، ولكنني شخصياً أراه قدوة حسنة أسير على نهجه، فهو معلمي وتتلمذتُ على يديه وإن اختلفت آراءنا ومواضيعنا.

صدمة رحيله كانت قاسية، ولكن لكل أجل كتاب، وكل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، لا نتخيل أن يمر أسبوع ولا نقرأ له مقالاً جديداً أو نسمع صوته الذي تعوّدنا عليه حين يتصل بنا ويسأل عن أحوالنا وأحوال أهلنا.

تواصله الدائم معنا ومع الجميع سيترك فراغاً كبيراً، فهو شخصية ملهمة، وأبٌ روحيٌّ لأسرته وأقربائه. رحمك الله عزيزاً كنتَ وفي ذاكرتنا ستبقى.

نسأل الله له الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وأن يجعل مثواه الجنة في منزلة الصدّيقين والشهداء، ولن ننساه من الدعاء.
بعد وفاته تواصل الكثيرون ممن لا أعرفهم معزّيين ومواسين جزاهم الله خيراً، وإن دلّ ذلك على شيء إنما يدلّ على حُسن خلقه وتعامله مع الجميع.

رحل حمد وأرى في وجوه الجميع الحزن والأسى مما تركه في نفوس من يعرفونه، البعيد قبل القريب، من أثرٍ طيّب سيذكرونه طويلاً.

سيبقى حبر قلمه مخطوطاً في الصحف التي كتب فيها، فخراً لها ورمزاً من رموزها وتاريخاً صحفياً خالداً.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights