مواهب صاعدة على جبل سمحان
سالمة بنت هلال بن ناصر الراسبية
بالرغم من أننا نشهد نهضة معرفية وثقافية متكاملة داعمة للفكر الإبداعي والريادي لدى الشباب، وتسهم في تطوير وتنمية مواهبهم ومهاراتهم المتعددة، من خلال التعاون والتكامل مع الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني، التي تعمل في دعم وتطوير قطاع الشباب في مختلف المجالات في ظل النهضة المباركة بعهد السلطان هيثم بن طارق آل سعيد.
إلا أنه ما زال الحراك بطيئ, ولم يتمكن من استقطاب تلك المواهب الصاعدة من العُمانيين المتوقدة حماسا وشغفا, في التمثيل والإعلام التلفزيون والإذاعي, والمجال الفني؛ كالرسم والتشكيل والتصميم وغيرها من المواهب, والتي تُسهم في تعزيز وتطوير التعاون والتواصل مع المؤسسات الشبابية المحلية والإقليمية والدولية، وتدعم الحركة الاقتصادية والاستثمارية، ومنها تعد مصدر من مصادر الدخل الوطني.
نعم، هذا ما نراه، حيث ما زالت نفس الشخوص تُمنح لهم الفرص وتوقع معهم العقود! سواء في التمثيل أو الإخراج أو التصوير أو التأليف وغيرها؛ بينما تركن الكثير من المواهب الواعدة في الزاوية البعيدة, ينظرون بحسرة إلى ساعات العمر وهي تمضي بلا عودة، وعلى أمل أن ينبثق ذلك النور في نهاية النفق المظلم.
العُمانيون يمتلكون كافة الأدوات الإبداعية ولكنهم لا يجدون من يمد لهم يد العون، ويمنح لهم الفرص, ولا المساحة الكافية لأثبات جدارتهم وقدراتهم, فما زلنا نرى نفس الوجوه في التمثيل, ونفس الوجوه في الرسم والتصميم والفن التشكيلي, ونفس الوجوه في التأليف الروائي والدرامي, حتى بدأ الشباب يفقدون رونقهم وإبداعاتهم شيئا فشيئا.
وقبل أن أقول أننا فقدنا الأمل، نرى تلك البدايات المشرقة مع أول مؤسسة شبابية داعمة للمواهب في المجال السينمائي, والتي أحد أهم أركانها المصداقية والشفافية, والنزاهة, وهي مجموعة “غرفة 6 السينمائية”، كأول شركة شبابية مرخصة من وزارة الثقافة والرياضة والشباب, ومؤسسها المخرج المبدع هيثم سليمان المسلمي, صاحب فيلم “ديانة الماء” الحائز على عدة جوائز محلية ودولية، ولديها أهداف بعيدة المدى تعانق السماء بجميع ألوان الطيف, وتعتني بالمواهب الصاعدة وتتيح لهم تلك الفرصة التي كانوا يحلمون بها, فبدأت “غرفة 6” بإطلاق باكورة أعمالهم السينمائية (حزمة فوتون 1)، حيث بدأت بمسابقة لأفضل ثلاث سيناريوهات للأفلام القصيرة، تركز على قضايا المجتمع بمنظور معاصر، وبالفعل تمكن الكثير من المبدعين المشاركة فيها، وكانت المسابقة منظمة ومحددة البداية والنهائية، ونوعية الجوائز الممنوحة للفائزين، ثم استكملت مشوارها الثاني بتجارب الأداء وأطلقت حملة إعلامية للراغبين في لعب أدوار مختلفة؛ وتمثلت في اكتشاف عدد من المواهب العُمانية من جميع شرائح المجتمع والجنسيات الأخرى؛ وبذلك حققت هذه المجموعة الشبابية أول خطوة في طريق تمكين الشباب الواعد بعرض تجاربهم, وسنشهد في الأيام القليلة القادمة بإذن الله تعالى انطلاق عرض الأفلام العُمانية السينمائية في دور السينما.
ومن هنا نتطلع إلى استنساخ التجارب الناجحة من قبل شركات الإنتاج المحلية والمستثمرين من رجال الأعمال العُمانيين والمؤسسات الحكومية والخاصة في المجالات الإبداعية المتنوعة؛ ليناول الدراما والمسرح والإذاعة والرسم والتصميم والابتكار وغيرها، واستغلال مواسم السياحة في محافظات جنوب الشرقية وظفار, والليالي الباردة على رمال بدية والمسطحات الزراعية في ولاية الحمراء والرستاق, وعلى السلاسل الشاهقة بالجبل الأخضر، وتعكس العادات والتقاليد والفن الشعبي والأكلات المتنوعة في مواسم الأعياد والاحتفالات الوطنية؛ مما يدعم بشكل مباشر المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وزيادة دخل الأسر والأفراد، ويعزز النمو الاقتصادي وزيادة القوة الشرائية في السوق المحلي.
حقا أن سلطنة عُمان هي موقع مفتوح، إنها الطبيعة البكر , وابنائها بأمس الحاجة للإيمان بما يمتلكونه من قدرات, ستمثل لاحقا قيمة مضافة للاقتصاد، وتسهم في دعم العيش المشترك وإظهار صورة سلطنة عُمان للعالم , كما يبصرها أطفالنا اليوم, على شاشة الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي, فنحتاج أن نؤمن أن تقدمنا الإبداعي والمعرفي والفني سيكون من خلال تعاون الجميع مع الجميع، وإعداد صف ثاني وثالث ورابع من المبدعين في شتى المجالات الثقافية الفنية، وإبرام العقود مع المبدعين، وتعزيز فرص التعاون بين دول الخليج في مجال المواهب؛ وهذا ما يتوائم ورؤية عُمان 2040.