متاهة في تفاهة
د. حميد أبو شفيق الكناني
تفاصيل مزعجة.
تفاصيل محرجة.
ضجيج و عجيج.
ضوضاء و غوغاء.
أجواء مشحونة بأحاديث أزلية ويوميات مخلة بالعقل ومملة للروح والنفس والقلب.
ارتفاع أسعار العقار حديث الساعة.
ارتفاع أسعار الفواكه والخضار
و المعلبات و الأدوية و أجرة السيارات وتذكرة القطار.
وأخبار الرياضة حديث الساعة
آناء الليل وأطراف النهار.
ثرثرة في مقبرة.
في المقاهي والشوارع والأسواق والمؤسسات، وتسربت العدوى إلى المدارس و المعاهد والجامعات ووسائل الإعلام من الجرائد والمجلات. وأما مواقع التواصل الاجتماعي في الفضاء الافتراضي فحدّث ولا حرج.
وأما أهل الخطاب فحذوهم حذو أهل الكتاب.
وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه.
قبليون بامتياز وكأن الله لم يهدِ سواهم.
بساطة قروية و فطرة بدوية و روح عفوية شفوية “والبدوي يعمل قليلاً ويدخل في أحاديث لا نهاية لها”.
وليس في المدنية ملجأ ولا مرفأ ولا في العالم ملاذ ومعاذ.
مدنية جافة وجامدة جديدها قديم، ورياحها عقيمة، وأرواحها سقيمة.
فبعدما تحوّل العالم إلى قرية بواسطة التقنيات الحديثة، تقاربت المسافات، وأزيحت المساحات، صار كل من هبّ ودبّ يكتب ويخطب ويفسر ويعلل ويحلل.
و”مشكلة العالم أن الجاهل يوقن بأفعاله، والعاقل لا يثق بأفعاله” كما يقول برتراند راسل.
وهكذا “يظن المتعلم أنه ما زال يجهل الكثير.
بينما يوقن الجاهل بأنه أعلم أهل الارض”.
ما أكثر الضجيج في هذا العالم وأقل الحجيج.
خرافات وسخافات وإضافات يوميات مشحونة باللهو واللغو والحشو.
ومما قرأت:
“لا تكرر نفس السنة 75 مرة وتعتبرها حياة.”
و” لَا تَأتِ مُتَأَخّراً بَاحِثاً عَن ذَاتِ المَكـَان”.
وإذا مررت بنفس الشجرة مرتين وأنت في الغابة، فاعلم أنك ضائع.
انتبه، أنا لا أتحدث عن الشجرة.
ولم يكن السابق جميلاً كما يصور لنا الأوائل، ولا الأسبق أجمل، بل هي جدلية أزلية لا تسمن ولا تُغنِ من جوع.
فأين المدينة الفاضلة؟ أين المدينة الهادئة الدافئة الهانئة؟
وما زلتُ كما أنا أكمل في خيالي القصة التي أعدمها الواقع.
فأعان الله قلباً تمنى ما ليس مكتوباً له.