مقال : المبادئ مفاهيم مطلقة
أحمد بن سالم الفلاحي
ينتصر الناس للمبادئ، ويقرون على أنفسهم أنها السند الوحيد للخروج من مأزق التردي، والخروج من فوضى العلاقات، والنجاة من مهلكات الذات، ولكن مع هذه القناعات التي تتسلل أحيانا، وأعتبرها في لحظات الضعف، إلى النفس، أو الفكر، تعود النفوس إلى سيرتها الأولى، حيث البحث عن موطئ قدم بين مجموعة من الناس الذي يتم التفاعل فيما بينهم، ويقينا أن هؤلاء الناس؛ لن يكونوا على درجة سواء من القناعات، ومن الأخلاق، ومن الرضى، فكل واحد خاضع لنداءات ذاته، وما تريد أن تصل به هذه الذات إلى مستوى ما من مستويات البشر، فالفقراء يودون الوصول إلى مرتبة الأغنياء، والجاهل يود أن يصل إلى مرتبة العالم، وراكب السيارة البسيطة يود أن يصل إلى مثل من يركب سيارة فارهة، وقس على ذلك أمثلة كثيرة، وكلا الأثنين يخضان، في كثير من الأحيان، إلى ذات الطموح، و إلى ذات التفكير، فالأول يريد أن يصل الى الآخر بأية وسيلة كانت، مهما كلفه ذلك من ثمن، والثاني يريد أن يحافظ على مكتسباته، مهما كان ثمن البقاء والاستمرار، ولو على حساب الضعفاء، والفقراء، وابن السبيل، المهم أن لا يتهشم البنيان الذي استطاع خلال فترة ما أن يصل إليه بهذه الوسيلة أو تلك.
هذه حقائق بشرية لا يمكن تجاوزها وغض الطرف عنها؛ عند الحديث عن مبادئ وقيم البشر، ومن هنا يأتي استمرار الظلم، واستمرار القتل، واستمرار التعدي على حقوق الآخرين، بصورة مباشرة وغير مباشرة، ولم تؤثر الأنظمة التي يضعها، نفس هؤلاء البشر، للحد من ظلم الآخر، بل في أحيان كثيرة تزيد من عمر الظلم في هذه الحياة، وتقلص تأثير تطبيق مبادئ العدالة والقيم السامية، والتي لا يؤمن بها إلا من تجذرت عندهم القناعة بأهمية تطبيقها، صحيح أن العدالة لن تعدم من الأرض، والقيم السامية لن تبحث عن من يعتنقها، فأفرادها كثر أيضا، ولكن لن يتعدون أفراد القيم المبتذلة، فشريعة الكون قائمة على التوازن، لن يزيد الشر على الخير، والعكس ذلك تماما، وكما يقال دائما: “الفضيلة بين طرفين كلاهما رذيلة”، فزيادة الشر في هذه الحياة معناه، أن تلبس الحياة وجها قاتما، وستهلك الحياة برمتها، وزيادة الخير معناه البطر والتجبر(ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء) – الشورى.
القيم السامية، والمبادئ المعتدلة تظل دائما صور حالمة في هذا الوجود، الكل يحلم بأحدهما، ويأتي التحقق هنا نسبيا جدا، ومن المستحيل المطلق أن التحقق الشمولي على الرغم؛ كما أسلفت؛ من قناعة الناس أن فيهما أو في أحدهما النجاة من الكثير من المهالك التي يتعرض لها البشر في اليوم والليلة، كما هي الصورة الحالمة ذاتها مع قول القائل: “ما قيمت الناس إلا في مبادئهم؛ لا المال يبقى ولا الألقاب والرتب”. ربما تظل فترة البقاء هنا مرهونة بالعمر، فأعمارنا مسافرة، كما هي الحقيقة دائما، ولكن هناك القليل من يستحضر هذا السفر، ولذلك يمارس أحدنا على الآخر حماقاته المختلفة، ويركن هذه المبادئ والقيم جانبا عندما تتعارض مع مصلحته الشخصية، بينما يمكن أن ينظر لها عندما يكون في الجانب الآخر من الضفة، حيث يستأمن على كل ممتلكاته، وما هو متحقق له، أما أن تقترب المسألة من شيء منه، فإنا هنا لا مبادئ ولا قيم، هنا تنتصر الذات فقط، وتكون الفردية هي التي يعلو صوتها، وهذا ما يؤسف له حقا.