تضاريس الوفاء
عبدالله بن حمدان الفارسي
وليَ في محراب حبها وقفة تأمل، تصمت حينها كل المشاعر باستثناء ضجيج وجعي، صمتٌ يعانق تناغم الآهات وهيجانها، وما إن يهدأ صمتي حتى تثور جوانحي لتؤجج صمتَ صمتي.
مضت كل الفصول بهدوء، ولكنه هدوء مثقَلٌ بالأوجاع؛ فقد كان يجثم على قلبي، ولكن ميقات العناق بالنظرات حينما تدخلت الأقدار، جعلت من ذلك الفصل يأبى إلا أن يتكوّن في ذاكرتي، معلناً لحظة الصراع بين الفكر والإحساس.
بالرغم من استحالة اللقاء، وتباعد المسافات بين النظرة والنظرة، وانتحار الأمل على جنبات اليأس، ما زال طيفها يتّخذ من قلبي متكأً له، ويسترسل بأنّاته مؤثراً لا متأثراً، فلقد تملّكني واستوطن مهجتي دون استئذان ولا اعتذار.
الآن، لم يتبقّ منها سوى ذكريات مبعثرة، يستصعب على عقلي لملمتها، ولا على قلبي أن يبحر في مجرّاتها اللامتناهية، مجرد ثوانٍ سطرت فيها ملامح اللقاء على وجه الزمن، جعلتْ من كُلّي لها، ومن نبضي لا يكون إلا معها وبها.
تكاد مشاعري لا تصدق مشاعري، فكيف للنظرة أن تستبد وتستعبد كائناً قلباً وقالباً؟ كيف توغّلت وتمازجت مع التكوين والمكونات؟ بعض الصدف ترتقي بأن تكون أجمل من الصُّدف ذاتها، نظرة تبلور فيها كل شيء جميل، عدا لقاءنا فاق المحال والمستحيل.
تضاريس الوفاء ترسمت على طرس الوقت، دوّنت ما بين الفواصل، نظرة عيونها تمجدت في حكاية لا تتجزأ ولا تنتهي، وحتماً لن تنتهي؛ لأن أقدارنا شاءت أن نفترق قبل أن نلتقي، ستظل صورتها يحتضنها برواز قلبي، مخلدة على واجهة متحف عقلي، ستبقى لحظات تلاقي النظرات ثوانٍ تسابق الوقت، لا تنتمي للماضي، ولا ترضخ للحاضر، هي للمستقبل الآتي، ولكن لا آتٍ في الأفق سوف يأتِي.