الأحد: 25 مايو 2025م - العدد رقم 2561
Adsense
الخواطر

قالت جدتي…

د.رقيه بنت عديم الفوري

قالت جدتي: “لا تعط أحداً أسرارك وخذ حذرك من اثنين؛
‏جاهل حفظ سطرين.. وجائع صار معه بيستين…”

لعل أكثر ما يواجهنا اليوم أبواق المغرضين الذين لن ينجر خلفهم إلا من لم ينل نصيباً من العلم والتربية والقيم الدينية، أو تعلم ولم يكن العلم له مؤدباً وحافظاً؛ فعاث في الأرض مفسداً.. فكثير من المشكلات ترتبت من سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتي استخدمها المغرضون، فتراهم يخوضون في ما لا يعلمون، ويبثون منها أفكارهم المسمومة بهدف الإغواء وغسل أدمغة الشباب..
إلى أن يجدوا الفارس الذي يلجمهم بالعلم والمعرفة والتربية الحسنة، ويتحكم باتجاه سيرهم، ويوقفهم حين يجب التوقف.

قالت جدتي:
“الخوارة ولا التبندر”. والخور هو مكان بالبحر لا يغاص فيه بحثا عن اللؤلؤ، والبندر هو المرفأ أو الميناء؛ ويقصد بالمثل، هو أن الحركة والعمل في الخور أفضل من الجلوس في الميناء وقلة العمل..

عزيزتي الأم؛ علمي أبنائك أن الحياة للبناء والعمل، فإن تعثروا فليواصلوا المسير، وليتسلحوا بالعلم والعمل؛ ف”السماء لا تمطر ذهباً”، تلك الكلمة التي قالها عمر رضي الله عنه، وما زلنا نرددها إلى يومنا هذا، كحكمة من روائع الحكم، فلو كتب الله لك رزقاً لن يهبط عليك من السماء؛ بل ستجنيه من سعيّك، وعملك في الأرض.

فمعظم الأعمال التي يحاول أن يتعلمها الإنسان قد تبدو صعبة في بدايتها، مبهمة، وغير واضحة، ولكنها ستتضح ولو بعد حين.
وقد يعتقد أغلب الناس أن الوصول للنجاح يحتاج قدرات خارقة!
وهذا الأمر غير صحيح؛ فالنجاح متاح للجميع، وسهل ميسر لمن يسعى إليه، ويصبر على طريقه، ويتذوق علقم عثراته ليكتشف حلاوة جوهره الثمين وما خلق له وما هو ممكن فيه.

عزيزتي الأم؛ إن لم تتمكني من معرفة جوهر ابنك وما هو ميسر له؛ فازرعي فيه قيمة تعلم حرفة في الحياة إلى أن يدرك ذاته ويكتشف جوهره الثمين يوما. وازرعي فيه أهمية الرضا والقناعة والإيمان الصادق الموثق بالعمل والإحسان فيه. علميه أن الرزق من عند الله وحده، وأن كل نفس ستستكمل رزقها قبل أن تلفظ آخر نفس من أنفاسها في هذه الدنيا!

قالت جدتي..
“تعلملك صنعة وعلقها في روزنة”. والروزنة هي فتحة في الجدار توضع عليها الأدوات وبعضها يكون للزينة؛ ومعنى المثل، أن تعلم الصنعة أو الحرفة بحد ذاته أمر محمود حتى لو لم يحن الأوان لاستخدامها؛ فلا نعلم متى سنحتاجها.
من المهم أن نعلم أبناءنا، والأهم من ذلك أن نعلمهم كيف يحصلون على المعرفة الحقيقية، والقدرة على التمييز بين الغث والسمين، وأن يكونوا فاعلين في مجتمعهم مؤثرين بالخير فيمن حولهم، فلنعلمهم أن النجاح للمثابرين؛ فالحياة لا تنتظر الفاشلين، فعليهم أن يحققوا نجاحهم الفردي فهم ليسوا نسخا من غيرهم؛ فالنجاح في الحياة يحتاج إلى أدوات كثيرة، منها الجد والاجتهاد والصبر والمثابرة والسعي نحو الهدف.

قالت جدتي ..
“اللي ما يزم القدح بيده ما يرتوي”، والزم هو الإمساك بالشيء بقوة؛ ويضرب المثل في ضرورة الاعتماد على النفس.
عزيزي الأب؛ أنت ربان السفينة في نفسك وأسرتك فعلم أبناءك التمييز والقدرة على الإبحار في هذه الحياة، علمهم أن يصنعوا سفينتهم الخاصة وأن يمسكوا الدفة بأنفسهم ويختاروا الشواطىء التي تناسب توجهاتهم وطموحهم.
يقول ستيفن كوبي:
“إذا أعطيت الإنسان سمكة فإنك تطعمه ليوم واحد، أما إذا أعطيته صنارة صيد فإنك تطعمه مدى حياته”.

علموهم أنهم أحفاد ربابنة البحار، علموهم أن يكونوا في شجاعتهم وطموحهم وهمتهم، كما قال الشاعر أبو الطيب المتنبي:
تجري الرياح كما تجري سفينتنا
نحن الرياح ونحن البحر والسفنُ
إن الذي يرتجي شيئاً بهمّتهِ
يلقاهُ لو حاربتْهُ الإنس و الجن
فُّاقصد إلى قمم الأشياء ِ تدركها
تجري الرياح كما أرادت لها السفنُ.

‏ قالت جدتي..
“رابع في الطريق بو أدرب منك، ولا ترابع كسير وعوير وبليس ما فيه خير”. والربعة هي الصحبة، والدرب هو من يعرف الدرب أو الطريق جيدا. ‏

أعزائي أولياء الأمور؛ علموا أبناءكم حسن اختيار الأصحاب وساعدوهم في الاختيار؛ فما كل من مالت إليه نفوسهم صاحب فهيم، فمن الصاحب تبدأ أول خطوة في طريق حياتنا؛ فالصديق يلامس جوهر معرفتنا لأنفسنا. علموهم اختيار الصحبة الطيبة التي تشبه أرضنا الطيبة ولا تتركوا سفينتهم تبحر بهم دون أن يمسكوا مقودها، علموهم أن يكونوا معتدين بذاتهم أصحاب نباهة وفهامة.
علموهم أن العقل في كل شيء زينة؛ لكي لا ينجروا وراء المغرضين، وعلموهم أن الصاحب ساحب حتى لو كان كتابا يقرؤنه أو موقع تواصل يتصفحونه، علموهم أن يختاروا من القراءة ما يرقى بهم ومن الصحبة ما يجلب لهم الخير.
يقول الشافعي رحمة الله عليه:
كلما أدبني الدهـر أراني نقص عقلي
وإذا ما ازدت علماً زادني علماً بجهلي‏

عزيزي الأب، عزيزتي الأم؛ أبناؤكم أمانة في أعناقكم أفعالهم مقرونة بكم وأعينهم معقودة عليكم، فأنتم لهم القدوة فيما سبقتموهم فيه من الحنكة والخبرة. أنتم لهم رمز الاعتماد، والحماية، والقدوة، والنصح، والسلطة، والإعجاب، والمحبة؛ فكونوا لهم كما أرادوكم، أنتم مصدر الأمن والمشاعر؛ فالقلوب تطوف بين راحتيكم وتستقر..
والمرحلة القادمة من العهد الجديد، أنتم حجر الأساس، فيه عماد الأخلاق والتربية المستقرة العاقلة التي تنشأ الأجيال على أخلاقها وتربيتها..
علموهم أن الوطن غال وأن يفتدوه بأرواحهم ودمائهم… ‏ ‏

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights