أمة اقرأ.. عازفة عن القراءة (الجزء: ٥ والأخير)
خلفان بن ناصر الرواحي
ليس من المستغرب أن تسعى بعض الدول سواء الأجنبية أو الإسلامية والعربية للعناية بالمجال الثقافي والاهتمام بمصادر المعرفة المختلفة، فتنشئ المؤسسات التعليمية والثقافية والمعاهد لتطويرها، وتكريس احترامها للكتاب وأصحاب الفكر والقلم، وإقامة المناشط الثقافية المختلفة لنتاج الفكر، وزرع الوعي لتداولها في نطاق أدبي أوسع من الأدباء والقراء، وبما يتفق مع رغبات المجتمعات مع اختلاف الميولات والأذواق؛ حتى شهد عالمنا المعاصر فيضا منها لا يحصى ولا يعد، وهي متنوعة في موضوعاتها، ومختلفة في مضامينها، توسعت بها حقول العلم والمعرفة، وتعمقت العلاقة بين القارئ والكتاب ثقافيا، وربما أصبحت سلعة تجارية بين دور النشر والمكتبات والكتّاب والمثقفين والمفكرين والأدباء.
إنَّ مما يؤسف له أن تجد في مجتمعاتنا بين أجيال اليوم ممن لا يحسن القراءة والكتابة بلغته العربية وبعضهم يحمل الشهادات العلمية المرموقة!؛ وذلك بسبب بعده عن التعود في القراءة والكتابة والتدوين بلغته العربية، وربما يكون ذلك بسبب عدم الاهتمام في التحصيل الدراسي بلغته العربية الفصحى، لغة القرآن الكريم؛ مما يجعل المتمعن في حالنا هذا يرى بأنه علامة استغراب في زمن العلم والمعرفة!
فبعد هذا السرد الذي تطرقنا إليه فيما يتعلق بالعزوف عن القراءة، وما كانت عليه الأمم السابقة، وما وصل به حالنا اليوم، وبناء على ما سبق ذكره يبقى علينا أن نقدم ما يمكن من علاج لظاهرة العزوف عن القراءة، فهي بلا شك ضرورة ملحة في وقتنا الحالي لتدارك الموقف ومسايرة الركب المعرفي والعلمي. وهذه هي محاولة منا لفهم الواقع الذي نراه من وجهة نظرنا، وهو أمر في غاية الأهمية، ومن الصعوبة بمكان إثبات شموليته لتحقيق ذلك الهدف، ولكنها من باب الاجتهاد والمساهمة منا في هذا الأمر، فمن أهم الإجراءات العملية التي نحسبها من جانبنا كفيلة بتنمية عادة القراءة لدى شبابنا خاصة، وكافة الفئات العمرية المختلفة، أن تكون الحلول مما لي:
– إدراك أهمية القراءة والوعي الفردي والشغف؛ لكونها من أهم الركائز في تحصيل العلم والمعرفة، وهي مهمة عند كل فرد لتنمية ذاته وإدراكه.
– حسن الاختيار لقراءة ما تميل إليه النفس عند كل فرد حسب ميوله وقدراته العقلية والنفسية والمالية؛ كالقصص والمقالات وغيرها، مع التدرج في القراءة وعدم اليأس من غياب الفهم والاستئناس المتدرج؛ فالفهم والاستفادة من الكتب لا يأتي إلا بعد تدرج وصبر.
– الاجتهاد في تحقيق الشمولية والتوازن في الوقت والأولويات، وإعطاء القراءة والاطلاع حقها من تلك الأوقات.
– إنشاء مكتبة منزلية خاصة قدر الإمكان، أو الاستعارة من مكتبات المدرسة أو الجامعة، والتعود على اقتناء الكتب، وزيارة المعارض والمكتبات.
– الإطلاع على مقدمة الكتاب عند الاختيار أو الاقتناء، ومعرفة المنهج والأسلوب الذي سار عليه المؤلف في كتابه للوصول إلى مضمون الكتاب والتفاعل معه، وتدوين الملاحظات والمعلومات المهمة.
– التحلي بالصبر، والمثابرة مع الجد والاجتهاد في طلب العلم، والقراءة والتحصيل وعدم اليأس والملل.
– محاولة التغلب على مشكلات عدم الفهم، وعدم الاستسلام للواقع الذي يعيشه المجتمع المحيط.
– الاستعانة بأهل العلم والمعرفة والخبرة لانتقاء أفضل الكتب التي تساعدنا على فهم واقعنا واتجاهاتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها من المجالات الأخرى.
– الاهتمام بإقامة المسابقات الثقافية والأمسيات الأدبية، والمكتبات العامة والخاصة، والمؤتمرات والندوات والمحاضرات العلمية والثقافية والأدبية في الأندية والفرق الأهلية المختلفة لتوعية المجتمع بأهمية القراءة والمعرفة.
– تشجيع الكتّاب ودعمهم ماديا ومعنويا لزيادة الإنتاج الثقافي والإبداعي والمعرفي.
– تقديم الدعم المادي لقيمة الكتاب؛ لتسهيل اقتناء الكتب من قبل الباحثين عن المعرفة من القراء والمثقفين أصحاب الدخل المحدود والمتوسط.
– تشجيع القراءة خارج الحملات الموسمية والتظاهرات الرسمية؛ بدءاً من البيت ورياض الأطفال ومرورا بالمدارس وانتهاءً بالجامعة.
– إقامة مسابقات ثقافية وترفيهية متنوعة، وضمنها القراءة ضمن الأنشطة الأسرية
– وجود القدوة داخل الأسرة والمجتمع
– الحرص على المشاركة في الأجواء العلمية، والمسابقات الثقافية، وإعداد البحوث، والدراسات المختلفة.
وخلاصة القول، ربما هناك حلول أخرى لم نذكرها، ولكن ما علينا إدراكه قبل فوات الأوان؛ “أننا متى عرفت أمتنا للكتاب قدره وحفظت مكانته، فلا ريب أنه سوف تنال حظها من الرقي والسمو، ولسوف يكون لحضارتنا حضور، وسوف تزداد قوة وعمقا، أما إذا عزفت أمتنا عنه واستهترت بقيمته؛ فلا شك كان مآلها التقهقر والتلاشي والتخلف عن الركب في مختلف جوانب الحياة؛ لأن الأمة التي لا تقرأ فإنها تكون في ذاتها ضعيفة، وتحمل بذور النهاية والفناء…”.
نعم، فنحن الآن جميعا مطالبون أكثر من أي وقت مضى بدعم الكتاب؛ ومطالبون بأن نعيد للكتاب مكانته وهيبته في حياتنا العامة، وأن نزرع في الناشئة حبّ القراءة، وما نأمله أن يحظى موضوع القراءة والكتابة وأهمية الكتاب والمعرفة باهتمام وتركيز في مقررات التعليم؛ لتصبح القراءة عادة تمارس طوال الوقت؛ فالشعوب المتقدمة هي شعوب قارئة.