صناعة الإبن العاق (ما بين العقوق والحقوق تأملات نفسية)
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
إنَّ العَلاقة بين الأبناء والآباء علاقة سامية وحيوية، قوامها الحبّ والاحترام المتبادل، وقد نظّمها الإسلام ووضع حدودها وقوانينها، ليس فقط في نطاق المعاملات والتعاملات، ولكن منذ لحظات التفكير الأولى في إختيار الوالدَين لبعضهما البعض، ولا شك أنّ الأساس في الحياة الأسرية والعائلية هو قدسيتها، ونمو بذور الودّ والإحسان والتكافل والترابط والتفاهم، واحترام الكبير والعطف على الصغير، ومراعاة الحقوق والواجبات، والأحاسيس والمشاعر والنظرة الأسرية الثاقبة للحفاظ على وحدة الأسرة وعدم تفرقها.
وقد يخفق الوالدان – أحيانا- بقصد أو بدون قصد في أسلوب تنشئتهم الأسرية والاجتماعية والنفسية، ويأتي ذلك نتيجة القصور في الثقافة والدراية النفسية للأثر النفسي الواقع على الأبناء، وسوف نورد هنا رؤية نفسية لبعض أسباب صناعة الابن العاق؛ بسبب الأساليب والتصرفات السلوكية والفكرية للوالدين ذوي العقّ الوالديّ قبل العقّ الولديّ، والتي ينبغي على الآباء أن ينتبهوا لها جيدا لسببين، أولهما: لعدم الشعور بالندم والشكوى من عقوق الأبناء تجاههم، وثانيهما: لكي لا يتم تنشئة أبناء مضطربين نفسيا وسلوكيا وفكريا، ولا يُتوقع منهم لاحقا سوى الإضرار بالنفس والأسرة والمجتمع، ومن أهم أسباب صناعة الابن العاق
مايلي:
– غياب القدوة الأبوية والبعد عن الدين، بما يحمله من أوامر ونواهي ينبغي على الآباء تعليمها الأبناء وقاية لهم من الوقوع فريسة الاضطرابات والصراعات التي تعود بالسلب على علاقة الآباء بأبنائهم.
– التخلي عن الدور التربوي السليم، بدءً من سوء تسمية الأبناء بأسماء حسنة، فلا شك أن لها أثر نفسي واجتماعي يقع في نفوس الأبناء بالإيجاب أو بالسلب، والدليل على ذلك قول عمر رضي الله عنه لرجل جاء يشكو إليه عقّ ابنه له، فوجد أن الأب هو من عقّ ابنه؛ بسبب تسميته لابنه بإسم غير لائق، فقال عمر رضى الله عنه للأب: “لقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك”. والشاهد هنا هو ضعف دراية الآباء بالبعد النفسي والاجتماعي والفكري للأبناء، إغفالاً عن إشباع الحاجات النفسية التي تبدأ بالبحث عما يجلب لهم الأمن النفسي والطمأنينة وتقدير الذات الإيجابي داخل الأسرة وخارجها، إضافة لذلك تسلط الآباء وقسوتهم وعدم السماع للأبناء، فلا يسمع لهم الأبناء لاحقا نصحا ولا إرشادا.
– معاملة الآباء السيئة لأبنائهم، وخصوصا أمام العامة من الناس، وهذا يولّد سخطا وكراهية، وفقدا للانتماء والمعية، وضعفا للثقة في النفس، والخجل والعزلة وعدم القدرة على مواجهة المجتمع، بل والسخط عليه واتخاذ العديد من الحيل الدفاعية كالهروب والإسقاط والتبرير، وكم رأينا وسمعنا قصصا مؤلمة لإيداع الأبناء لوالديهم في ديار المسنين؛ تخلصا أو راحةً منهم، أو كرد فعل فقدان الشعور بالأبوة والعطف والحنان.
– الحرمان من الإنفاق على الأبناء، إما لبخل أو لعدم المقدرة على الإنفاق؛ للحد الذي لا يتم معه تلبية المتطلبات، فيدخل الأبناء في مقارنات مادية ومعنوية واجتماعية ونفسية مع الأقران، بل وقد يؤدي ذلك إلى الانحرافات والسلوكيات الإجرامية، كنوع من ردود الأفعال غير الشعورية حفاظا على الذات من الإنهيار والاضطراب.
– ضعف مراقبة الآباء لأبنائهم وتركهم رهينة لأصدقاء السوء فيكسبونهم أخلاقيات لا سوية وصفات التمرد وغيرها من الصفات المنافية للدين وللقيم الإجتماعية.
– التفرقة بين الذكور والإناث أو بين الأبناء بعضهم البعض؛ مما يولّد حقدا وكراهية، وزرع بذور العداوة والبغضاء، وهذا قليل من كثير….
والخلاصة أننا دائما ما كنا نقرأ ونسمع عن عقوق الأبناء للآباء؛ فهل وقفنا يوما أمام صناعة الآباء للإبن العاق! ألا يأيها الآباء انتبهوا! فقد تولد العقوق من رحم التقصير في الحقوق، فما عقّ الأبناء إلا كرد فعل لأثر نفسي أو إجتماعي عميق، فاحذروا من صناعة الإبن العاقّ، وتفكروا في الأثر الذي لا يُطاق. فقد روى عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن لولدك عليك حق”. رواه مسلم.