بحر السكون
هيثم بن حمد الجهوري
أيُها الكثير الذي يفيض مني…
إنها صراخات أبواق المركبات في أول الصباح مُعلنه عظيم سخطُها على التدافع واحتلال طريقها
إنها تثاقل الخطى لدى الطلاب أمام حافلات مدارسهم
إنها تزاحم أنغام الهواتف التي تتسابق في بث “صباح الخير”
إنها إختناق الأماكن التي تسمح لكتفِ عريضه هتك كتفِ هشة
إلى “عفوا” ضاع صوتها في الزحام
إلى ” أَعيُن” داخِلها بحرٌ مضطرب
إلى ” جِفّنْ” يخجلُ أن ينسدل
إلى ” قلبِ” غرق في شِبر نظرة
وأعظم منها صحوة ضجيج فكرٍ بعد صراع ليلِ طويل تمكن من إغتيال ذلك الضجيج بغفوة تخمد ثورتها وتكبل حركاتها قبل أن يقتحم الصبح محدثا تلك الفوضى العارمه.
هنا أجتثي على ركبتي عاجزاً عن التفكير وعن الكلام حتى الكلمات تقاوم كتابتها ثم تمدُ كلماتٍ يدها في حنانٍ وتكشف في حياءِ عن شديد إعتذار في هدوء وسكينة متمته :
حاول أن تتمرد على واقعك على عالمك على كل هذا الضجيج ألم تلتفت إلى القرون الغابره؟
كيف أنهم عبدوا الشمس والقمر وكيف سجدوا إلى النار!
لم تكن طقوسهم تصوفاً بل بحثاً عن الذات بين الضجيج الذي يلفهم.
ألم تقراء في آيات الله وهو يحثنا على التدبرَ في ملكوت السماوات والأرض والجبال والبحار وإلى ما دون ذلك إلى الإبل كيف خُلقت وإلى حوار النملة مع جنود سيدنا سليمان والمجال يطول، أليست دعوة لكي نجد ذواتنا بين الضياع؟
همس في قلبي مودعاً أن لا تجزع ولا تهن سوف نتجاوز هذا البؤس سوياً.
هذي هي قصتي في البحث عنك هي سبب عشقي إليك وجدت ذاتي في أحضانك فأنا قد قلبت ناظري في ملكوت الكون الفسيح حتى وجدتُ أغوار روحي معتقه على شواطئك ومن حينها وأنا أتردد عليك بذات اللهفةِ والشوق وأنت لم تضجر مني ولم تغير طقوسك معبرا عن استياء أو نفاذ صبر، منذُ ذلك الزمن وأنت تفرش رمل شاطئك في إصباغ كرمٍ وعظيم مودة رغم أنني أتيك بكل تلك الحشود والفوضى من الذكريات والحنين والآسى التي ترسم آثارها على فراش رملك الناعم في كل مرةٍ أقِبل إليك وعندما أُولي الدبر ثم لا تجد من العنت أن تُزيل تلك الآثار والبقايا من إرسال موجك فيزيلها في ودٍ وإحسان.
وأعود من جديد أقف أمامك في إنكسارِ وذهول فتحتضني أمواجك المتدفقه بكل حفاوه؛ فأجدُ نفسي غارقاً في الأسئلة وملحُ صوتك أجد طعمهُ في أعماقي حتى أُفرغ عليه في تدافع شديد كل الهواجس والأمنيات حتى أشعر ببرودة حضن أمواجك ربما هي نتيجة الفوضى التي تجردت مني لأجد نفسي أبحثُ عن غطاءِ من صوف يشبه دفء صوت أمواجك.
بعدها أجد نفسي أنحني شوقاً لك رغم أني في عالمك أتأمل كيف لا أشعر بذاتي الإ وهي ترتمي بأحضانك وتسمع إلى لحنكَ وكلام سكونك؛ كيف أجد نفسي أحملُ حجارة فوضى أحلامي وأشد جاهداً في رميها إلى أن تصل إلى أبعد نقطةٍ في أعماقك ما أن أحاول إلتقاط أنفاسي بعد ذلك العناء حتى تعود أمواجك تحملها الي من جديد أتلقاها منها ولكن تعود إلي وهي مرتبة منزوعة الشتات.
ترتسم عندها إبتسامة رضى عميق بعمق تلك السنين التي تجمعنا سوياً؛ ثم تتدافع أمواجاً آخرى تُحطم اليأس الذي لا يهدأ وتزيل الذبول الذي يعتريني.
لأجد ذاتي تتأمل في رسائل أمواجك المتسارعه تارة والهادئة في معظم أوقاتنا أجد نفسي أُقلب كتابك الأعظم وأسبح في طياته كلما استقيتُ تلك الحروف تشربتُ منها عناءً لا يضاهيه عناء، رغم إنني لا أملك إلا كلماتٍ شحيحة الجمال ليست كافية لأصف الرائحة التي تتسرب إلى صدري كلما لمحت وجهك الملون بالحياة،
فتموتُ خجلاً كل رسائلي التي لم تصل إليك وبقي موج بحرك يداعبها
هل علمتَ لماذا لم أبرح مجلسك رغم تعاقب كل هذي السنين.