نشوة الصباح
ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي
ينتشر عبق الياسمين فجرًا للسالكين نحو مرضاة رب العالمين، ملبين النداء سعيًا نحو “أرحنا بها أيها المؤذن وحلق بنا أيها الإمام”، وقد سبقنا كل الوجود في التسبيح والتقديس للرب المعبود.
نحثُ الخُطى نحو المسجد؛ فنسمع صياح الديكة وزقزقة العصافير، كلٌ يسعى إلى طلب الرزق من الرازق بعد أن أدى صلاته ولهج بالتسبيح، عبادة مفروضة سارعت إليها كل الكائنات في هذا الكون وغفل عنها بعض البشر.
وبعد أداء الصلاة وتلاوة الأذكار وجزء من القرآن الكريم أو ما تيسر منه، نعود أدراجنا نحو منازلنا لنشتم عبق القهوة العُمانية، من تلك المنازل القريبة؛ فالقهوة حاضرة في كل صباح.
وقد أسرف البعض في حبها وتغزل في وصفها فهي المعشوقة السمراء لا سيما إذا صاحبها التمر الفاخر، وللناس في عشقهم مذاهب؛ فمنهم من يعشق الشاي منذ الصباح الباكر.
فنشوة الصباح تغمر كل نشيط وحريص وتفوت كل كسلان ونومان، وكلمة نومان قالها رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم لحذيفة ليلة الأحزاب، وقد خاطبه بلفظ قُم يا نومان، ونومان بفتح النون وإسكان الواو وهو كثير النوم.
فالبركة كل البركة في البكور، والأمل المشرق يتجدد كل صباح
في كل غدوٍ ورواح بعد النشور من البيت لمزاولة الأعمال، فمن فاته الصباح فاته الخير الكثير.
تمر بالإنسان في بعض الأحيان حالات من الضعف وهذا ليس غريبا، لأنه خلق ضعيف محتاج لعون ربه وتوفيقه، ومن بعض هذا الضعف دوامة من الأرق تعصف بعقله وقلبه ووجدانه؛ فيسارع إلى ذكر ربه ليذهب عنه ما يجد ويحاذر، فيكشف له ما حل به من كرب، ويصبح كأنما نشط من عقال.
فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة، والحمد لله على كل النعم نقولها من صميم القلب وبملئ الفم.
فعن أي كفاح نتحدث إذا كان من يروي لنا هذا الكفاح هو الصباح نفسه، ومن لم يدرك الصباح غابت عنه البشاشة وفقد الانشراح، ربما هي فلسفة مني ولكل تعبيره ووصفه عن الصباح.
فالصباح عندي هو ذكر ربي وطاعته، ووجه أمي وأبي اللذان غابا عن هذا الوجود ولم يغيبا عن قلبي وعقلي فهُما لي الصباح، بل كل صباح لا يحلو بدونهما؛ فنشوة الصباح تتجلى بالدعاء لهما، وليس في الصباح فقط بل وفي كل وقت وحين.
نشوة الصباح تتجلى في وجه جميل باسم يستقبلك كل صباح،
نشوة الصباح في تذكر الأحباب دومًا عندما نتذكر كل معروف قدموه لنا ثم رحلوا ولكن يبقى الأثر.
نشوة الصباح في لقاء الآباء والأشياخ ومن لهم الفضل الكبير في تعليمنا وتأديبنا، وأخص منهم من علمنا وحفظنا القرآن الكريم، ومن غمرونا بعلومهم وفقههم؛ فرحم الله تلك الأبدان وأسكن أرواحهم فسيح الجنان.
نشوة الصباح سجدة شكر لله على تراب هذا الوطن، وقبلة على جبهة كل مخلص ومجاهدٍ باع نفسه لله ومن أجل الوطن.
وغزة خير مثال يحتذى به، ورجالها أشرف رجال، في زمن قل فيه الشرفاء من الرجال وهرول فيه أهل النفاق من المطبعين والأنذال، وفي كل صباح نترقب النصر المبشر والتحرير الأكبر المؤزر، من الله الكبير المتعال.