2024
Adsense
مقالات صحفية

أمة اقرأ.. عازفة عن القراءة (٢)

خلفان بن ناصر الرواحي

إنَّ القراءة هي عنوان الحضارة وحاضنة الثقافة ومرقى التقدم والصعود ووقود البحث ووسيلة تطويره. وكما قال المأمون:”إن القراءة نزهةٌ في عقول الرجال وتجربة ماتعة لا يكاد يهجرها من سحرته الكتب وهام بالمؤلفات وعشقها فهي سميره وحديثه ورفيقه ومحور حديثه وموضع اهتمامه”.

فمن منطلقات إيماننا ونحن أمة حضارة ومجد وهداية، ومما ينبغي أن يُشدّد عليه القول؛ “بأن الأمة لا تعرف ماضيها إلا بحاضر أبنائها؛ حيث يبقى التحصيل بالقراءة  مفيداً ومهماً في استشراف مستقبل الأوطان”. فمن خلال تدبرنا لكتاب الله وسنة نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم- فنحن أمة الإسلام يكفينا دستوراً ومنهجاً عاماً للاهتمام بالعلم والقراءة والمعرفة، وقد جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تشير إلى أهمية العلم وأهميته ومكانة العلماء؛ فكانت أول آية نزلت في القرآن الكريم في الدعوة إليه قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}-[العلق: 1]. وتوالت آيات القرآن الكريم بما يضيق المجال عن حصرها في الدعوة إلى بيان فضل العلم والعلماء؛ فقال تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}- [طه: 114]، وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}- [المجادلة: 11].

وما جاء في السنة النبوية الشريفة أيضاً لهو خير دليل لأهمية القراءة والعلم؛ فقد اهتمّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك اهتماماً كبيراً، كيف لا وقد كان أوّل ما نزل عليه من القرآن الكريم قول الله -تعالى-: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}-[العلق: 1-5]. والأحاديث النبوية في هذا الشأن هي في مجملها أحاديث عن قراءة القرآن وأهميته وفضله، وأهمية العلم وفضائله، أمّا عن تخصيص القراءة لوحدها أو البحث عن حديثٍ يُبيّن أنّ الله -تعالى- يحبّ الذين يتعلّمون القراءة مطلقاً فلم يتمّ الوقوف عليه في السنة النبوية -حسب علمنا ومطالعتنا-، ولكن مما هو معلوم ذكره أن القراءة تدخل في عموم الأحاديث التي تحثّ على أهمية العلم والعلماء، ومن الأحاديث الخاصة التي جاءت في هذا الباب نذكر منها ما يلي:
– عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ علَى كلِّ مُسلِمٍ).[رواه ابن ماجه].
– عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (الناسُ معادِنٌ كمعادِنِ الذهبِ والفضةِ، خيارُهم في الجاهلِيَّةِ، خيارُهم في الإسلامِ إذا فَقُهوا، والأرواحُ جنودٌ مُجَنَّدَةٌ، فما تعارَفَ منها ائتلَفَ، وما تناكَرَ منها اختلَفَ).[رواه البخاري ومسلم] – وعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (فضلُ العالمِ علَى العابدِ كفضلي علَى أدناكُم، ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: إنَّ اللَّهَ وملائكتَهُ وأهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها، وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ علَى مُعلِّمِ النَّاسِ الخيرَ).[رواه الترمذي] – وعن سعد بن أبي وقاص، وحذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (فضلُ العلْمِ أحبُّ إِلَيَّ مِنْ فضلِ العبادَةِ، وخيرُ دينِكُمُ الورَعُ).[رواه الطبراني].
– وَعَنْ أَبي الدَّرْداءِ، رضي الله عنه، قَال: سمِعْتُ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلّم، يقولُ: (منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ).-[رواهُ أَبُو داود والترمذيُّ].

بالإضافة إلى تلك الأحاديث النبوية التي ذكرناها سلفاً، فقد كان من اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه كان يجعل فداء الأسير في تعليمه لعشرةٍ من المسلمين للقراءة والكتابة، كما أنّ الصحابي الذي كان يعرف القراءة له شأنه عنده -عليه الصلاة والسلام-، فيكون مقدَّماً على غيره في العديد من الأمور، فَمنهم على سبيل المثال لا الحصر، زَيْد بن ثابت -رضي الله عنه- فكان ملازماً للنبي الكريم لأنه يُتقن القراءة والكتابة، ثمّ أصبح كاتباً للوحي وللرسائل.

وعليه فإن القراءة لها علاقة وثيقة بحياة الناس، وهي سبيل لكل شيء من أمور الحياة التي تتعلق بالدين والمعاملة، والعلوم التي تدل على الله معرفةً ومحبةً وخوفاً ورجاءً، فلننتقِ ما نقرأ ونعرف الصالح والطالح منها، وعلى العاقل منا أن يميّز بين الغثاء والسمين، وأن يستشير أهل العلم والرأي والعقل والخبرة؛ فالقراءة والتقدم أمران متلازمان؛ حيث إن كل أمة تقرأ فهي أمة ترقى و تتقدم، وذلك يبقى مرهونا باختياراتنا وهدفنا الذي هو أساس النجاح والتفوق الذي نحققه لنا ومجتمعاتنا.

وللحديث بقية في الجزء الثالث بحول الله تعالى.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights