الكشفية العالمية مرتع الابتكار ومنارة الإبداع
علي بن مبارك اليعربي
إن الطبيعة البشرية والحيوانية والخصائص النفسية للإنسان تؤكد على وجود الدافع الفطري والغريزي لديه لمعرفة الحقائق والمعارف الخفية؛ فتجده يسارع في استقصاء الأمور ومحاولة معرفة بواطنها، لا يدفعه إلى ذلك إلا الفضول؛ وكي يكون الفضول إيجابيا مستحسنا لا بد أن يكون هدفه اكتساب العلم والمعرفة وليس التلصص واستراق السمع والتدخل في شؤون الآخرين. فما يجب على الإنسان تعلمه لزيادة الوعي لديه هو الاستنباط واستقراء الأشياء التي يستخدمها حتى يكون منتجا لا مستهلكا، ولن يتأتى ذلك إلا بالبحث والتقصي؛ فالإنسان بفطرته باحثا عن الكمال والتميز والإبداع، فلو تأملنا أنفسنا وما يجول بخاطرنا وما هي دوافعنا الداخلية، وميولنا النفسية؛ لأيقنا تماما أن الدافع الأساسي للكثير منا هو الرغبة في الوصول للكمال وإيجاد المكانة التي تجعله قيمة مضافة بين أقرانه، مجودا لعمله ومتقنا له. وهذا كما أسلفت سابقا دافعا فطريا لدى الإنسان إذا وقع في مساره السليم؛ فسيؤدي بكل تأكيد إلى الرقيّ والتكامل، وإن انحرف عن مساره لأي سبب كان، فإن عواقبه سيئة. وهذا ما عمل عليه مؤسس الحركة الكشفية “الورد بايدن باول” ومن جاء بعده من رواد الحركة الكشفية، حين استغلوا طاقات الفتيان ووعيهم واختاروا الخلاء ميدان ومرتعا لأنشطتهم وبرامجهم التي في مضمونها خدمة للمجتمع، وتنكروا للدعة والاتكالية، كما شجعوا الابتكار والإبداع.
فالدين الإسلامي حياة ودستور ينظم حركة الكون والتغيرات التي تحدث فيها؛ لذلك سبق كل المنظمات الدولية، فهناك العديد من الآيات القرآنية التي تشجع على الإبداع والإنتاج والتطوير الاجتماعي، يقول تعالى في سورة البقرة (آية 30): {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}. انظر كيف تشجع هذه الآية على الإبداع والتطوير في الأرض، وأن الإنسان هو الخليفة، ثم انظر في قوله تعالى في سورة الأعراف (آية 56): {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}. لترى كيف تشجع الآية على العمل الصالح والإنتاج الحسن في الدنيا، وأن رحمة الله تسع الجميع. ثم قول الله تعالى في سورة الزمر (آية 39): {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}. وتأمل كيف تشجع الآية الإنسان على العمل والإبداع في موقعه ومهمته في الحياة.
والشواهد هي، حث الإنسان على البحث والإبداع كثيرة ومتواترة منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، والقرآن الكريم يشجع على الإبداع والإنتاج والتطوير الاجتماعي؛ لذلك أتت الاستراتيجيات التي وضعتها المنظمات والهيئات الكشفية متناسقة مع التنظيم الرباني لهذا الكون، والتي تؤدي غالبا للحصول على نتائج إبداعية تساعد منتسبيها ليكونوا أكثر إبداعًا، وتساعدهم على الابتكار مما يؤدي إلى إجبارهم على المقارنة بين المفاهيم المختلفة، وتنتزع منهم استجابات مبدعة.
وما يساعد القادة على تنمية مهارة الابتكار والإبداع هي القوانين والأنظمة الكشفية المعمول بها في الحركة وبيئة التطبيق الحافزة للابتكار والإبداع؛ لذلك نقول إن الكشفية العالمية مرتع الابتكار ومنارة الإبداع، لأن جل منتسبيها فتيان أتيح لهم التفكير الإبداعي وبيئة تعليمية حافزة وقادة من الطراز الأول، ورواد متعطشون للعمل التطوعي ونقل الخبرات والتجارب المعرفية، ويساعدهم في ذلك النظام الكشفي على تحقيق أهداف تفضي إلى خلق روح التعاون بين الأفراد ويقضي على الأنانية، وإنكار الذات وتنمية الولاء للجماعة وتنمية القدرات الفردية وإيجاد التكامل بين أفرادها. ولكي يستمر هذا كله وجدت شارات الخلاء لإكساب المنتسبين في الحركة الكشفية حسن التصرف، واستغلال المقومات الطبيعية فيها، والثقة والاعتماد على النفس، ومن أمثال هذه الشارات؛ الرحالة، والمخيم، ودارس الطبيعة، ومقتفي الأثر، والمغامر، والرسام، وغيرها من شارات الهواية والإنجاز، وشارات خدمة المجتمع، والشارات العلمية، والشارات المهنية. كل ذلك لأجل إكساب الفرد تقدير الذات والولاء والانتماء للمجتمع، وكي يستمر البذل والعطاء وتمكين الإبداع والابتكار لديهم؛ لا بد من ربط شارات الكفاية بشارات الهواية لحفز كل منهما الآخر، وتتحقق حينها التنمية الشاملة.
ومن هنا أنقل للمنتسبين للهيئات والمنظمات الكشفية وقادتهم ورواد الحركة أقوال بعض الحكماء: “من لا يتقدم يتقادم، ومن لا يتجدد يتبدد”.