المظاهرُ النّفسية لفرحة العيد
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
يعنِي الْعِيد اليوم الذي فيه جمْع، وسُمّي عيدًا لأنّه يَعُود كلّ عام بفرح مجددًا، ويُعد العيد شعيرة ومظهرًا من مظاهر الدين الإسلاميّ، تبْعث على انبساط النفس وترويحها، كما أنّ العيدَ يُعمق التلاحم والترابط بين أفراد الأمّة الواحدة في مشارق الأرض ومغاربها، فقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:”المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”. رواه البخاري.
وللصائمِ فرحتانِ كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومنها أن المسلم إذا أفطر فرح بفطره، والفرحة هنا بمثابة السعادة وإدخال السرور على النفس والأقارب والمحيطين وسائر المسلمين فرحا بطاعة الله عز وجل، والعيد هنا بمثابة التكريم والجائزة الربانية للمسلمين، وعندما قدم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم المدينة كان لأهلها يومان يلعبون ويلهون فيهما في الجاهاية، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنهما، وبعدما عرف قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر”. أخرجه “أبو داوود والنسائي وأحمد” باختلاف يسير.
ويَخرج المسلمون يوم العيد مهلّلون ومكبّرون، ويطبقّون سُنّته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيلبسون أجمل الثّياب ويُعّبرون بأجمل التهاني، ويتزاورون لقضاء أجمل الأوقات، ويصلون الأرحام، ويسلمون على بعضهم بعضا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالخروج للعيد الرجال والنساء والأطفال؛ بهدف التنفيس على النفس والترويح عنها، وغير ذلك مما ينبغي فعله في هذا اليوم المبارك.
أما المظاهر النفسية التي نَودّ إظهارها هنا في هذا اليوم تحديدا فهي أن العيد في حد ذاته ضرورة نفسية للنفس البشرية، فالاحتياج للانتماء والتقارب ورؤية الوجوه التي قد لا تتقابل إلا في هذا اليوم إما لسفر أو بسبب شحناء أو لعمل أو خلافه إنما هي ضرورة نفسية تدفع صاحبها لأن يُلْقي من على كاهله ما أرهقه من ضغوطات أو خلافات أو افتقار لمعاني وجدانية مُلّحة، وقد ساهم الصوم فيها إيجابا ومسبقا.
ولا شك أن من أهم المظاهر النفسية للكبار والصغار- وخصوصا الصغار- هي مظاهر السعادة في عادة إعطاء العيدية وانتظارها كنوع من الشغف والحب والود، كونها تمثل ذكريات لا تُنسى، ولها قيمة راسخة في الوجدان، يستشعرها الكبار حين يعطونها للصغار، حيث استرجاع ذكريات فرحتهم صغارا، إن ما يجعل العيد جميلا في أنظار المسلمين هو بهجته التي تضفي على البيوت الفرح والسعادة، حيث تفتح أبوابها لاستقبال الأقارب والأصدقاء، وتعزيز التواصل الاجتماعي والتفاف العائلة؛ وهذا مما يُحسن من صحة الأفراد النفسية والاجتماعية، حيث له عوائد نفسية كثيرة تبعث على الأمل وكسر الروتين والاستمتاع بالوقت.
وأخيرا فإن العيد طريق الفرحة والتجديد، بعد موسم العبادة والطاعات لمن طابت سريرته وخلُصت نيته، فكان العيد مكافأة لما تهنأ به النفس وتُقر به العين ويرضى له القلب، وكل عام والهناء النفسي عيدكم وطريقكم…