2024
Adsense
مقالات صحفية

ومضة من أحسن القصص

د. حميد أبو شفيق الكناني

{قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ}. (يوسف ٨٩)

لم يكونوا جاهلين ولم يكونوا غافلين، بل كانوا عامدين قاصدين، مع سبْق الشفقة والترقّب، إذْ تنازلوا وتراجعوا من: اقتلوا يوسف، إلى: اطرحوه أرضاً، ومن اطرحوه إلى: ألقوه في غيابة الجبّ،
ومن ألقوه في غيابة الجب إلى: يلتقطه بعض السيارة.
وها هو ذا يبحث لهم عن الحجج ويخلق لهم الأعذار، شأنه شأن الكريم الذي يعطي وهو يعتذر.
إنه التسامح والتصافح والتصالح من النبيّ القويّ الصالح، فتوقع اللطف من الأقوياء، لأن الضعفاء قُساة.
وَضَعيفَةٌ فَإذا أصابَت فُرصَةً
قَتَلَتْ كذَلِكَ قُدْرَةُ الضُّعَفَاءِ

إنها أخلاق الأنبياء الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، حيث أسرّها يوسف في نفسه لمّا قالوا: فقد سرق أخٌ له من قبل، ولم يكشف عن هويته لمّا دخل عليه إخوته فعرفهم وهم له منكرون.
وصمت مراراً وسكت تكراراً، ولعلّه استلهم الصبر من أبيه الذي ابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم.

ورسالته لنا درسه التاريخيّ:
ثُم ماذا؟ ثُم بعد صبرك اليعقوبيّ؛ ستنال أمانيك اليوسفيّة.
إنها روح الأمل والعمل، روح التسامح والتصافح والتصالح مع الآخرين “فإنهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدِّين، وإمّا نظيرٌ لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ”.

إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً
صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه

إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى
ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه

وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها
كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ.

نقتبس من معارف نهج البلاغة: يعفو عمّن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصِل من قطعه.
نعم، هكذا هي الأخلاق التي هي محوَر الدِّين الخالص.

هي الأخلاق تنبت كالنبات
إذا سُقيَت بماء المكرمات
وهكذا تعلمنا ونتعلم عبرة لأولي الألباب.
من أحسن القصص في أحسن الحديث.
والغاية عند النهاية، والعاقبة للمتقين، مكنّا ليوسف في الأرض على خزائن الأرض، يتبوأ منها حيث يشاء، ولنعلّمه من تأويل الأحاديث.

والدنيا خبر فاترك الأثر.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights