المنجم المهجور، وصوت الأرض ..
مريم الجابرية
“تلك التقرحات تؤلم”
هذا ما خلتُ أني سمعتُه من صوتٍ للأرض وأنا ألقي النظرة على تلك الفوهة العظيمة المهجورة.
كنتُ صغيرة جداً على سماع أنين الأشياء حولنا، مما أثار الرعب في نفسي، وجعلني أشيح ببصري بعيداً متأملةً تعرجات الشارع غير المعبّد.
نحن البشر، نهجر الأشياء كذلك دون سابق اعتذار.
وتعود الطبيعة لترسم لوحة جميلة لِمن هجرها، فرجع بلهفة العاشق الملتاع.
عدتُ أنا أيضاً بعد عقود إلى تلك الفوهة العظيمة والمخيفة، وقد كسى أطرافها اللون الأخضر كبهجة عروس في ليلة الحناء، وفي قلبها زرقة براقة تكونت من خليطٍ من ماء المطر الذي استقبلته بكل سعة وفرح، ومياهها الكبريتية التي نزفتها بعد جرحها العميق.
امتزجتْ مشاعري أنا أيضاً، أظن أني سمعتُ صوتاً آخر يقول: “إنها التقرحات كعادتها”.
لم أفهم لماذا تستعطفني الأرض مرة أخرى؟ وقد زينها الربّ بكل تلك الألوان البهيجة، وتهافُت الناس من كل صوب لزيارتها وتغزلوا بجمالها في مواقع التواصل الاجتماعي.
حاولتُ أن أبحثَ أكثر، في صوتها، في ألمها.
هل ما فعلناه صحيحاً حين حفرنا فيها واستخرجنا النحاس الفاخر منها؟
هل المناجم وُجِدت لتُهجَر؟
ماذا عن خيرات الأرض؟ هل ستعود مرة أخرى لتسد تلك الجروح؟
هل الخطوة الأخيرة بعد انقضاء الحاجة كانت صحيحة؟
أليس من الخطير أن تُترك كذلك محاطة بشِباكّ حديدية متهالكة؟
هل ستُترك كذلك؟ وتصبح حديث الأجيال بعدنا عن جرح قمنا بثقبه في قلب الأرض؟
حملتُ أسئلتي معي وعدتُ إلى الطريق أفكر بجروح الأرض، وكيف لنا أن نسعفها ولو كنّا متأخرين.
ربما نحسن تزيينها نحن أيضاً كما فعلت المياه والعشب. بطريقة ما نجملها، نسد فراغها بشيء ذي ألوان زاهية، نكرمها بطريقة ترضيها، نجعلها أكثر بهجة بمشروع آخر، ينقل أنينها وألمها إلى سعادة وبهجة.