رمضانيات اليوم العشرون: حافظوا على حقوق الأُخوَّة
خلفان بن ناصر الرواحي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،
فيا أحبتي في الله علينا أن نتفكر في عقيدتنا الإسلامية التي كانت وما زالت تخاطب الأمة، وهو مواكبة الحياة في شتى المجالات، وقد اهتمت بالجانب الروحي المبني على أساس الإيمان واليقين، ولو نظرنا إليها- العقيدة الإسلامية- لوجدنا أنها عجيبة فعلًا، فهي حين تخالط القلوب تتحول إلى مِزاج من الحب والأُلفة والمودة، وتزرع السعادة، وتهتف للبشرية بنداء المحبة في الله، فإذا استجابت وقعتْ تلك المعجزة في قلب المؤمن التقي، والتي لا يعلم حقيقتها وسرَّها إلا اللهُ وحده، ولا يقدر عليها إلا هو سبحانه!
فما أعظمها من نعمة منه سبحانه! قال تعالى:{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}-[الأنفال: 63].
نعم، إنها لمعجزة فلا يقدر عليها إلا اللهُ سبحانه، والتي بُنيتْ عليها هذه العقيدة، فتحوَّلت هذه القلوب المتنافرة والمتشاحنة فيما بينها، إلى وحدة ولحمة متراصة متآخية، مُحِبةً بعضها بعضا؛ ليسود التآلف والتراحم بين الناس.
فيا أيها الصائمون الأتقياء راجعوا أنفسكم، وتمسكوا بهذه العقيدة، وحافظوا على حقوق الأُخوَّة في الله وفضائلها الجمة؛ فهي منحة قدسية، وإشراقة ربانية، يقذفها الله في قلوب المخلصين من عباده وينغرس في نفوس الناس، وفضائلُها من كثيرة، وخيرها في الدنيا والآخرة لا ينقطع، نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
– تسود المجتمع الطمأنينة والتعاون بين الأفراد، ويؤثرون على أنفسهم فيما بينهم، ولنا مثل في ذلك ما كان من تآخٍ بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم.
– يكرمهم الله على منابر من نور يوم القيامة؛ فعن أبي زرعة بن عمرو بن جرير أن عمر بن الخطاب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من عباد الله لأُناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى)، قالوا: يا رسول الله، تخبرنا من هم؟ قال:(هم قوم تحابُّوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، والله إن وجوهَهم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس)- رواه أبو داود.
– أن يجد المرء في نفسه تذوق حلاوة الإيمان؛ فيجد انشراحًا في صدره، ورغبة في الخير، وحبًّا لأهل الخير، وحلاوة لا يعرفها إلا من ذاقها بعد أنْ حُرِمها؛ فعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثٌ من كُنَّ فيه، وجَد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون اللهُ ورسوله أحَبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يَكرهَ أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يَكرهُ أن يُقذَف في النار)- متفق عليه.
– المحبة في الله والأُخوّة سبب من أسباب غفران الذنوب؛ فعن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: (إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه، وأخذ بيده فصافحه، تناثرت خطاياهما، كما يتناثر ورق الشجر)-أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد.
– كذلك الأُخوّة في الله تجعلك في ظل عرش الرحمن يوم القيامة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)- متفقٌ عَلَيْهِ. وتفرَّقا عليه”؛ فما أعظمهما من كرامة
– أنهم في كنف المحبة الإلهية؛ فقد أخبَرَ النبي صلى الله عليه وسلم عن ربِّه سبحانه في الحديث القدسي:(حقَّتْ محبَّتي للمتحابِّين فيَّ، وحقَّت محبتي للمتواصلين فيَّ، وحقَّت محبتي للمتناصحين فيَّ، وحقَّت محبتي للمتباذلين فيَّ، المتحابون فيَّ على منابرَ من نور يغبطهم النبيون والصدِّيقون والشهداء)- رواه أحمد، وابن حبان، والحاكم، والقضاعي عن عبادة بن الصامت.
وهناك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي جاءت فيما يتعلق بالأُخوّة وفضائل المحبة في الله.
فلنجعل أحبتي الله محبتنا وأُخوتنا قائمة على الإيمان والخير، والبر والإحسان، والتقوى والرحمة؛ المنبثقة من عقيدتنا الإسلامية الكريمة، ولنعلم أنَّ المحبة لأجل غرض دنيوي أنها لتزول بمجرد زوال ذلك الغرض؛ فهي محبة عارضة ولا بقاء لها، ولا خير فيها، ولا تعود على أهلها بخير، وكثيراً ما تكون عاقبتها شراً وتنقلب عداوةً لأتفه الأسباب، وعند أول بادرة خلاف؛ فلنتق الله ولنحافظ على ذلك الرباط العظيم، فكل مسلم في الأرض أخٌ لك أخوة إيمانية قرآنية شرعية، كتبها اللهُ لنا، وجاء بصفتها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، لتبقى خالدة إلى الأبد. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ…}- [الحجرات: 10].
اللهم احفظ لنا إخواننا في الله، اللهم إنا اجتمعنا عليك وتفرقنا عليك؛ فاجعلنا من الذين تظلهم في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك. آمين.