الصوم وسلوك التّعاطف
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
إنَّ القدرةَ على فَهم المشاعر وتفهُمِها سواءٌ للذات أو المحيطين، ووضع النّفس موضع وموقع الآخرين، والنّظر إلى الأمور من زاويتهم لا زاويتك؛ فقط إنما هو صميم التّعاطف، وفي العلوم النفسية فإنّ التّعاطف هو النظر لما يمر به الآخرين من منظورهم وليس من منظور شخصيّ، والشعور بما يشعرون به، حتى إن بعض علماء النفس والصحة النفسية اعتبرَ أن الافتقار للعطف دليل ومنبيء على وجود اضطرابات شخصية يتولد منها أعراض النّرجسية والعدوانية وغيرها.
ولا يخفى على أحد مقدار رؤية التّعاطف في الشهر الكريم أثناء الصوم، بل هي سمات الصوم نفسه، فمن لم يجد نفسه متعاطفا طوال اليوم يجدها تلقائيا ودون الحسبان يتولد لديه شعورا بالآخرين، وخصوصا ذوي الحاجة، فيتعاطف معهم ويرغب في وصالهم والترابط معهم؛ ومن هنا ندرك أن الصوم له أغراض أهمها الارتقاء بالمجتمع في تكافل وتكامل، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة والمثل الأعلى، فقد كان صلى الله عليه وسلم المثل الأعظم في الجود والخير والتعاطف مع الفقراء والمساكين، فلقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، وفي ذلك دروس حياة، حيث تحقيق جوانب الإحساس المرتبط بالجسم كالجوع والتعب وحرمان النفس من الخيرات والملذات وكذلك جوانب الشعور المرتبط بالناحية المعنوية والنفسية لعدم تملك لما يمتلكه الآخرون فكان الهدف من الصوم هو المزيد من بذل التعاطف الذي يتبعه سباقا في الإحسان والكرم والرحمة، بل وترسيخ هذه الصفات في نفس المسلم الصائم لتكون سمة في حياته وبذلك تتحقق عوامل التكافل المجتمعي.
ولأديب العربية الأكبر في العصر الحديث “مصطفى الرافعي” في موقفه عن فلسفة الصيام أنه فقر إجباري الهدف منه هو إشعار الناس والنفس الإنسانية بطريقة علمية موحدة أن الحياة الصحيحة والسليمة هي تساوي الناس في الشعور لا اختلافهم، وحين يتعاطفون بإحساس الألم الواحد، لا حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة، ولهذا السلوك التعاطفي لذة لا يعرفها إلا أصحابها، والمبادرة إليها دليل واضح على صحة الصوم وأهدافه السامية، وكذلك النفوس السليمة المتعاطفة المُحبة للخير والمبتغية لرضا ربها عز وجل، وبذلك يتضح جوهر الصوم في علاقته بالتعاطف، هذا السلوك الذي يشرح الصدور المؤمنة ويفصح عن مَواطن الخير في الجوانب الإنسانية .