الصوم طريق العفو والتسامح
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
التّسامح خُلُقٌ من أطْيب الأخلاق على الإطلاق، تسْمو به الرّوح ويرتفع قدرها عند بارئِها، قال تعالى: {…وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}-[سورة النور، من الآية: ٢٢], ويا له من أثرٍ عظيمٍ وجزاء كريم حين تجد المغفرة نتيجة لتسامحك وعفوك، وكيف لا وقد تهاونت في حقوقك دون إجبار، وتغافلت عن الأذى مع المقدرة، ولنا في الرسول -صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة، فالتسامح خلق نبوي عظيم، علم به الرسول -صلى الله عليه وسلم- البشرية القدرة على تغيير النفوس من البغضاء إلى الحب والقرب وتمني الجوار، فكل من جاء يبغض النبي ويريد إيذاءه رحل عنه وهو يحبه ويتمنى عفوه.
والصوم في الشهر الكريم فرصة كبيرة لكل متشاحن أو متخاصم؛ لأن يعيد أدراجه ويغير مسار تفكيره، ويبدأ بالتسامح، ولكن كيف يتأتى ذلك؟ إن الصوم يعد برنامجًا إرشاديًا وتدريبيًا وتربويًا وعلاجيًا؛ له العديد من الأهداف الربّانية لتربية الضمير والنواحي الوجدانية الداخلية على تبني خلق التسامح، فشعائر الصوم وأجوائه المشتملة على اعتياد الصبر والتفكر والتأمل، ووضوح قيمة الإنسان الحقيقية حين لا يجد مأكلا أو مشربا رغم أنه متوافر، ولكن التسامح مع النفس أولا والصدق معها يعلم المسلم الانفتاح على الآخر والتضامن معه، ودحض أي خلافات نظرا للتعرف الحقيقي على قيمة النفس وأنها تخطيء وتصيب.
كما أن في ذلك دلالة واضحة على مراجعة النفس واكتمال أيقونة الصوم والهدف منه، فالصوم يعمل على تهيئة النفوس جميعها سواء للإقدام والمبادرة على طلب العفو والتسامح أو التقبل لمن أخطأ في الحقوق، فالصوم يعلم جميع الأطراف التهيئة والتقبل والإقدام والاستجابة للتسامح، ونلحظ جميعا أن أغلب التصالحات والمصالحات تتم في الشهر الكريم؛ لأنه الوقت الأمثل والأنسب لدحض الخلافات، ودرء النزاعات والمنازعات.
ويعود الصوم النفس على الكبت الإيجابيّ حين يتعرض لأي نوع من الشتائم أو الانتهاكات، فيكظم غيظه ويُنحّي عدوانه وانتقامه، ويضبط انفعالاته، وفي الحديث الشريف للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم: “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم”. “رواه أحمد وصححه الألباني”، وهذا من تمام التقوى والهدف الأسمى من الصوم وليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، ومن هنا نتعود على أن الصوم يعود خلق التسامح، والصفح الذي رغّب به الشرع وجعله منهاجا للتعامل.