الصوم والنوم
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
لا شك أن النوم آية من آيات الله، ونعمة من نِعَمِهِ على عباده، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ …(23}- [سورة الروم]. فالنوم مهم للغاية لصحة الجسم؛ ليستعيد الإنسان نشاطه وقوّته، وكذلك لراحة الأبدان، وقيل أن الإنسان يقضي ثلث حياته تقريبا في النوم، وقيل أنه يقضي نصف العمر في النوم، ففي قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ” لو عاش الفتى ستين عاما فنصف العمر تمحقه الليالي”. إذ إن النوم نصف العمر تقريبا.
والناس في الصوم على شقين في مسألة النوم من وجهة نفسية دينية واضحة، فالشق الأول مُتأهب نفسيا، ولديه اتجاه ومنحى إيجابي نحو استثمار وقته أثناء الصوم فينام ليلا أو نهارا، بمقدارٍ يمكنه من العبادة الواجبة، والتي يحصل منها الثواب الأعظم فينام وقتا يريح به عقله وجسمه؛ كي يعينه على مواصلة الطاعة من صلاة وقيام وغيره، والشق الثاني يتصف بالهروب النفسي واللجوء للنوم أملا في الاستيقاظ على وقت الإفطار؛ وكأنه يخشى المواجهة والتعب، وبالرغم من أن صيامه صحيحا كما أشار العلماء إلا أنه قد حرم نفسه من أن يعيش وقت الصيام بالجهاد والرغبة في التحصيل للثواب وبذل النفس، بل ويصبح نومه كله خمول وكسل واستنفاذ للطاقة، فيصاب باضطرابات النوم، وتغير نظامه المعتاد والسهر لوقت السحور، والإفراط في تناول الطعام سحورا وإفطارا؛ فيتسبب ذلك في اضطراب الدورة الدموية وتعليل وصول الدم للمخ؛ فيصاب الإنسان بالكسل والصراع والخمول.
إن العلاقه بين الصوم والنوم علاقة موجبة إذا استثمرها صاحبها رغبة في العمل على رضا الله عز وجل. والعلاقة بين الصوم والنوم علاقة سلبية إذا استغلها صاحبها رغبة منه في الأداء المفتقد للروح، والتعايش مع الحكمة العظمى من الصوم فيكون بذلك هروب نفسيا، وروتينا قاتلا، وخواءً للمعنى، وتفريغا للمقصود من الصوم، واضطرابا في الأمزجة يتبعه تغيرات فيسيولوجية وصحية.
وفي النهاية يجب على كل مسلم صائم واعٍ أن يفطن إلى هذا الأمر، وينظم وقته ما بين استيقاظه ونومته وعمله، ويحاول رضا ربه وابتغاء أجره، فشهر الصوم مرة في العام، ولا يدري المرء أنه سيبلغ العام القادم أم لا، فليتأهب بنفسه، ويشد أزره ويوقظ أهله وينظم نومته وقومته اقتداء بفعل الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.