المياه من أجل السلام
علي بن مبارك اليعربي
شعار أطلق هذا العام للاحتفال باليوم العالمي للمياه، وقد يقول قائل؛ ما علاقة المياه بالسلام؟!
نعم، المياه أمن وأمان ومصدر الاستقرار؛ فعندما ترك سيدنا إبراهيم عليه السلام سيدنا إسماعيل وأمه سارة، نادى ربه كما جاء في محكم التنزيل على لسان قوله عليه السلام: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)}- [سورة: إبراهيم]. وهو هنا يطلب الماء الذي يأتي بالزرع كما في قوله -تعالى-:{…وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ(30)}- [سورة: الأنبياء]. بمعنى إنه لن تكون هناك حياة لا لزرع أو لبشر. كما أن المياه ستجعل أي وافد لهذا المكان ينزل ويسكن، فهو عليه السلام ينشد الاستقرار لهم ولن يتأتى هذا إلا بالعيش في مجتمع آمن ومستقر، ولن يستقر الوضع إلا بوجود الماء الذي ينبت الزرع، وهذا ما يطلق “بالأمن الغذائي”، وهذا لن يتوفر دون وجود الماء بكل تأكيد، فقد كان الناس منذ القدم يرتحلون وينتقلون من مكان إلى آخر بحثا عن الماء ويرسلون الكشافة ذوي الاختصاص في ذلك الوقت للاستطلاع واكتشاف مصادر المياه وكمياته؛ كي يقرروا إذا ما كانوا سينزلون إليه أم لا. وقد تقع نزاعات وخلافات قبلية وقد تصل إلى الحروب تستمر لفترة ليست بالقصيرة من الزمن بسبب المياه ، ونقيس عليه في وقتنا الحاضر الخلافات ونزاعات دولية ومحاكمات لإثبات أحقية طرف على الآخر في تلك المياه، وحتى مياه البحار لم تسلم من تلك الخلافات؛ فحرب البسوس والتي استمرت أربعين عاما قيل أن من أهم أسبابها المياه وذلك نظراً لأهميتها.
وكانت المياه قديمًا ضمن خطط المعارك فمن يتمكن من الاستيلاء على مصدر الماء والمحافظة عليه تمكن من تسيير دفة المعركة لصالحه والانتصار فيها. فرسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم في معركة بدر الكبرى كان من أحد أسباب انتصاره هو سيطرته عن آبار بدر قبل المعركة، والتموقع في محيط مصادر المياه.
ولصياغة السلام والأمن الدوليين يجب علينا جميعا، دولا وشعوبا ليعم الأمن والأمان المحافظة على نظافة المياه وترشيد استهلاكها، وسن الأنظمة والقوانيين وتوزيعها بما يتناسب مع التركيبة السكانية في دول العالم، وإبعاد النفايات عن مصادر المياه، والتحكم في نظام الري بأساليب مبتكرة تقلل من استنزافه بصورة تؤثر سلباً على تعايش الشعوب، والسعي الحثيث لامتلاكه بأي ثمن حتى وإن أدى ذلك لشن الحروب وإثارة النزاعات.
وما مشاركة الاتحاد العالمي لرواد الكشفية في احتفالات العالم باليوم العالمي للمياه في الثاني والعشرين من مارس من كل عام -حيث أطلق عليه هذا العام 2024م شعار “المياه من أجل السلام”- إلا تجسيدًا لدوره الأزلي في البحث والمحافظة على المياه منذ عصور غابرة؛ حيث كان يمثله في ذلك المستكشف وما يسمى بالقافر، والذي ينتدب من القبيلة لاكتشاف منابع المياه ومكامنها.
لذلك يحق للحركة الكشفية العالمية أن يكون لها تأثير إيجابي في السلم والأمن الدوليين؛ كون قانونها ينص على ذلك، فهي حركة شبابية عالمية تربوية تطوعية غير سياسية، هدفها تنمية الشباب بدنيًا وثقافيًا؛ لذلك كان يناسبها فقط السلم والأمن العالميّين.