رمضانيات اليوم التاسع: فضل صلاة التراويح
خلفان بن ناصر الرواحي
الحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه والتابعين له، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد،،،
فاعلم أيها الصائم – رعاك الله – أنّ قيام الليل من أعظم العبادات المسنونة في هذا الشهر المبارك، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز الذين يُصلُّون صلاةَ الليل فقال تعالى: {…وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}- [الفرقان:٦٤]. وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}- [السجدة: ١٦،١٧].
ولنعلم أن هذه الآيات الكريمة لم تشر لوقت أو شهر معين، ولكن كلنا نعلم فضل مضاعفة الأجور في شهر رمضان المبارك؛ ولهذا نقول لكل حريص على مضاعفة الثواب من رب العالمين، عليه أن يجتهد في رمضان ويحرص على أداء قيام الليل أو بما تسمى بالتراويح، وذلك مصداقاً لما سبق ذكره من آيات بينات من الذكر الحكيم، وكما أننا سوف نوضح لك أخي الصائم بعض الأدلة والأفضال التي تتعلق بهذه الشعيرة كما يلي:
– اعلم أيها المؤمن الكريم أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قد سنّ لنا قيام شهر رمضان، وفي حديث عائشة – رضي الله عنها – زوج النبي – صلى الله عليه وسلم خير برهان حيث قالت: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)-رواه الشيخان.
– الدليل الآخر في فضل صلاة التراويح ما روي عنه – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)- رواه الشيخان.
وليكن قيامك وأداؤك لهذه العبادة إنّما إيماناً بالله وتقرباً إليه؛ فإن قمت رمضان إيماناً واحتساباً تحقَّق لك ذلك الأجر العظيم.
– واعلم أيها الصائم الحريص لقيام رمضان أن ليس هناك عدد معين محدود لا بد من أدائه، فإن رزقك الله الصحة والعافية وتيسرت لك السبل وصلّيت مع الإمام فاستمرَّ معه حتى ينصرف؛ ليُكتب لك قيام ليلة كاملة، وذلك مصداقاً لما جاء عنه – صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ)- رواه الترمذي وابن ماجه. فما أَجلّهُ من فضل هذا، وما أكرمه سبحانه وتعالى لعباده!
فليكن حرصك أيها الصائم الحريص أن تصلي التراويح مع الإمام الذي يُصلي ويحسن القراءة ويخشعُ فيها، وليحذر الذي يصلي بالناس من السرعة التي تذهب بالخشوع والطمأنينة.
فمما جاء عنه -صلى الله عليه وسلّم- أنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة، وجاء ذلك في حديث عائشة – رضي الله عنها – أنّها سُئلت: كيف كانت صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم – في رمضان؟ فقالت: (مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً)- رواه الشيخان. وفي حديث ابن عباسٍ – رضي الله عنه – أنّه قال: (كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَعْنِي بِاللَّيْلِ)- رواه البخاري.
– واعلم أيها العابد أن صلاة التراويح تُصلى مثنى مثنى- أي يسلم بين كل ركعتين-، ففي حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ)- رواه الشيخان. وقال – صلى الله عليه وسلم – في صلاة الليل: (مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى)- رواه الشيخان.
وعليه أيها الصائم القائم، إيمانًا واحتساباً؛ احرص على هذه الصلاة ليكتب الله لك الخير والثواب العظيم، واصطبر عليها لتنال أجرها، والله الموفّق وهو المستعان.