الصيام والمراقبة الذاتية
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
للشريعة الإسلامية مقاصد في الصوم؛ أهمها تقوية الإرادة للمراقبة الذاتية في القضاء على التلاعب بالذات وتغليب حكم العقل على الشهوة، فمتى نمت المراقبة وقويت الإرادة الذاتية كفّ الصوم صاحبه عن ارتكاب المعاصي والسمو بالنفس الإنسانية، وتعويد النفس على البعد عن مرذول الأخلاق واللغو والرفث والكلام البذيء.
فحقيقة الصوم تعويد الفرد المسلم على المراقبة الذاتية، وصيام الجوارح من سمع وبصر ولسان، وكف النفس عن الهوى؛ وهذا ما بينه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدعى طعامه وشرابه”.رواه البخاري. وقال أيضا: ” إذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُك وَبَصَرُك وَلِسَانُك عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَآثِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، ولْيَكُنْ عَلَيْك وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صِيَامِكَ سَوَاءً”- رواه البخاري.
كما أن من توابع المراقبة الذاتية التي ينميها الصوم في الفرد المسلم هي إضعاف دواعي الشر وإلزام النفس ومحاسبتها قبل إصدار أي أفعال من شأنها أن تنتقص من أجر الصيام، أو تستدرك النفس للانجراف إلى الهاوية وارتكاب الأخطاء؛ فالصوم سر بين العبد وربه، وقد اختصه الله عز وجل لنفسه من بين سائر الأعمال، وذلك لمحبة الله عز وجل له وظهور وتوطيد عوامل الإخلاص فيه للعبد، والمراقبة والبعد عن خداع الذات، فالصائم يكون في موضع أو مواضع خالية من البشر متمكنا فيها من الطعام والشراب بعيدا عن أعين الناس؛ ولذا كانت من ضمن مشروعية الصيام تعويض النفس على رصد سلوك الذات في السر والعلن تجاه الرب العلي جل في علاه، ثم تجاه الشخصية وتعاملاتها، وأخيرا تجاه الآخرين في المحيط الاجتماعي.
والمراقبة الذاتية تعلمنا مقدار قيمة الصوم كعبادة خاصة في اتصال العبد بربه واستحضار معيته؛ لذلك من أحسن صيامه عزز الصيام فيه حسن المراقبة لله، ثم للذات وإخلاص العمل، ويدعم ذلك ما ذكره السعدي رحمه الله في قوله: ” فما اشتمل عليه الصوم من التقوى: أن الصوم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه.” من هنا نلمس القدر الذي يورثه الصوم في النفوس، آمرا إياها بحسن المراقبة والترقب لله سبحانه في سائر الأعمال والأقوال والأفعال؛ والأسمى تفعيل ذلك كله في نفس الصائم فتصبح سمة وعادة وطريق عبادة، ومن هنا ندرك قيمة الشرع متمثلا في الصوم كأهم العبادات في التأثير النفسي الإيجابي على الأشخاص، ويدفعهم إلى إيجابية الضمير، وحُسن المراقبة النابعة من الذات كما يرتضيها الفرد الصائم لنفسه وتجاه ربه.