الصوم والتأهيل النفسي
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
مع قدوم شهر الخيرات والبركات، وحلول الأجواء الرمضانية بنسيمها الفوّاح، وانتشار رائحة الطِّيب المعطّر بعبق الصوم وبهجته وأُُنسِه، شهر العطاء واللقاء، مصباح السعادة الذي ينير القلوب والأرواح، ويحتاج الإنسان لأن يتهيأ ويُهيّئ مَن معه من الأسرة لاستقبال الصوم، وهذه التهيئة بمثابة تأهيل نفسيّ وتنظيميّ يجعل الصائم مُتأهبٌ ومستعدٌ لأنْ يتكيف ويتوافق مع التغيرات الجديدة؛ بل والاستعداد لها مسبقاُ بكل ترحيب وأشواق، والعزم على تحقيق الدرجة القصوى من التعايش والاستفادة من عدة نواحٍ اجتماعية ونفسية وصحية وغيرها.
فمع بداية أول أيام الصوم – وخصوصاً للأطفال- يحتاج الوالدان إلى تأهيلهم نفسياً وزيادة شغفهم نحو تعريفهم بالصوم وثوابه وفضائله، وتقديم النصح والإرشاد والعون لهم، وتوجيههم نحو العادات والخطوات الجادّة والسليمة قبل وأثناء وبعد الصوم، من نصائح غذائية ونفسية واجتماعية وغيرها، وتعويدهم تدريجياً على الصوم، وتحفيزهم بعبارات إيجابية معبّرة عن قيمتهم الذاتية، ومتمثلة في كونهم رجال وأقوياء، وأن لديهم من القدرة ما يعينهم على الصوم وكذلك حفظ اللسان والجوارح.
أما عن التأهيل النفسي للكبار أنفسهم فهُم بحاجة ماسّة للتوعية الذاتية، وكشف الستار عن الغاية الحقيقية من الصوم، والتي أدناها الامتناع عن الحاجات الفطرية الأولية كالطعام والشراب والشهوة، والبُعد عن السلوكيات الخاطئة وخصوصاً في أيام الصوم الأولى، سواء أكانت سلوكيات صحية غذائية أو سلوكيات نفسية عصبية أو سلوكيات انحرافية أخلاقية؛ فالحاجة هنا إلى التأهيل النفسي على وجه التحديد من الضرورة، ولا مانع من حضور وإقامة دورات تدريبية أو ورش عمل أو ندوات تثقيفية لتوضيح معلومات أكثر حول فريضة الصوم وما تزرعه من فضائل وسِمات على المستوى الشخصيّ والاجتماعيّ والروحيّ وغيره، وكيف أن الصوم أفضل علاجٍ للتدريب على توازن النفس وتهدئتها وضبط المزاج، وأنه كلما همّت النفس على ارتكاب آثام أو معاصٍ تذكرت صومها فأقلعت، وتذكرت أن الخير فيها فأينعت.
والخلاصة أن الصوم فرصة للتغيير للكبير والصغير، وبداية التأهيل النفسي والشخصي؛ حتى يتم الخروج من شهر الصوم بصبغة البصمة الأخلاقية والنفسية والاجتماعية؛ التي تعود بالنفع على النفس البشرية وعلى المجتمع ككل، فيتم العيش في مجتمعات سويّة متكاملة الوظائف الإنسانية؛ محققة ما وراء الفضائل والفرائض والتشريعات؛ فتسمو وتسعد وترتقي، ويكون لها النصيب الوافر من الإنتاجية والإنسانية الحقّة والمأهولة.