الضيف القادم
مريم شملان
أهلاً بك أيها الضيف المنتظر، الضيف الذي ننتظره كل عام، ونستقبلهُ بفرح، ونودعه بِحزن، ونعيش لياليه بتقارب ومودة وتراحم، “الخاطر” الذي اقتربت أيامه كثيراً، وبدأنا نتنفس نسماته الربانية مع هطول المطر وبرودة الطقس وجمال الأرض واخضرارها، إنه الذي لنا فيه ذكريات سعيدة وحزينة، من أفراح لنا وللناس عامة؛ كإنجاب طفل، وفرحة نجاح، وعودة من نُحب إلى أرض الوطن أو إلى منزله إثر حدث أو من عملٍ بعيد.
وهكذا حياة قد ولت وحياة قادمة مستمرة، رمضان يأتي كالطارق الذي يطرق أبواب أعمارنا التي تذهب وتزول، وهو الفرح الذي يدخل البهجة علينا والسرور، رمضان شهر التجمعات والسحور والتراويح، الضَحكات التي تأتي من القلوب البيضاء وبمزاحٍ رحيم على من بدأ في إعداد الطعام من الفتيات الصغيرات والشابات، أو بداية أسرة جديدة، أو انتقال لمنزل وبداية حياة بعيدة عن الأسرة الكبيرة، الضيف الذي يزور الجميع؛ الجياع، والفقراء والأغنياء.
يأتي رمضان هذا العام ليستمع لنحيب أرض المعراج وأنين المكلوم فيها، والدماء التي ما زالت رطبة في أماكنها لتشهد على ظلم وطغيانٍ قد أحاط بها، يأتي ليرى تمزق جديد لرقعة من وطني العربي الكبير واستمرار البكاء والتحسف على ما يحدث في سُوداننا الحبيب، يأتي ليطرق أبواب السيدات والجدات اللواتي فيما مضى كُنْ يَعدن له الزينة ويضعن لهنْ جانبًا الأواني الجديدة وتخزين المؤنة الرمضانية والطعام؛ ليجد بعضهن قد رحل، وليجد المساجد قد فارقت شيوخاً وشبابا وأطفالاً، ومُصليين كانوا يهرعون مُسرعين لتلبية النداء “حي على الصلاة.. حي على الفلاح”، وأنهم فارقونا أيضاً ورحلوا. إنها دورة الحياة التي تمضي بنا ونحن نستمر مع ذلك الدوران، وليس لنا في ذلك إلا الرضا بما شاءه الله لنا، مؤمنين بكل ما قدّره الله لنا وما كتبه.
نعم رمضان شهر الغفران، شهر الرحمة والتصالح والتسامح؛ فليبارك الله فيمن صام رمضان وقام، ويتقبل الله أعمالنا من الطاعات والصلوات، ويرفع لنا فيه العمل الصالح، ويجعل لنا الله فيه من صيام هذا الشهر الفضيل القبول والمكانة العالية في الجنة.