مقال : الأمر ليس سهلا ..
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
من المفارقات التي نعيشها في هذه الحياة، مع أنفسنا على الأقرب، هي كيفية التوفيق بين ما تجيش به أنفسنا، وبين ما هو مطلوب منا، وبين مجموعة القناعات التي نؤمن بها، ونصادم بها هذا الهاجس النفسي من جانب، ومع الآخرين من جانب آخر، هي فعلا قضية بالغة التعقيد إلى حد العجز عن عمل أي شيء، وما يزيد الأمر تعقيدا أكثر هو الخبرة في هذه الحياة، فكلما تعاظمت الخبرة، كلما كبر الإحساس: إما بالذنب، وإما بالمسؤولية تجاه الآخرين من حولنا، وفي مجمل هذه البيئة الشديدة التعقيد تأتي مختلف الممارسات التي نقوم بها؛ إما سلبا، وإما إيجابا، وعلى أساسها أيضا تتوالى النفوس المطمئنة، أو النفوس القلقة المرتبكة، ومن مجموع تفاعلات هذه النفوس كلها يظهر وجه الحياة في أجزائه المختلفة بين النقيضين، وهو أمر لا بد أن يكون، وأن نسلم بضرورة وجوده، لأن الحياة في صورتها العامة مجموعة من المتناقضات، وبدون ذلك تذهب مسيرة الكون برمته الى اتجاه آخر مختلف.
تأتي مجموعة العناصر الضابطة، إما على شكل قيم اجتماعية متوارثة ومكتسبة، وإما على شكل مجموعة تشريعات ونظم، تنظم حالتي التناقض، لأنه لو ترك أحد هذين الوجهين (ما تجيش به النفس؛ أو ما هو مطلوب منا) يأخذ طريقه نحو الحياة “لفسدت الأرض”، ولكن من الحكمة الجليلة لرب الوجود سبحانه، أوجد هذه الثنائية في هذه الحياة، حتى لا تلبس الحياة نفسها صورة مطلقة فتفسد، ربما هناك من يقول إن الظلم موجود، والجرائم قائمة، على قول ابن السماك – عاش في زمن معاوية – عندما سئل: كيف تركت الناس؟ قال: “مظلوم لا ينتصف، وظالم لا ينته”، وهذه إحدى الحقائق الكونية الماثلة في الوجود، أقول نعم: وبوجود ثنائية الخير والشر تجعل الإنسان دائم البحث عن كل ما من شأنه أن يجنبه الكثير من المهالك، والمواقف المؤلمة، لأن الإنسان مهما بلغ صبره، وجلده، وقوة نفوذه يبقى كتلة من المشاعر تتألم، وتحزن، وتصاب بالوهن، وفي كلا الحالتين (الوهن والقوة) هو يحتاج الى إعادته الى وضعه الطبيعي، ولذلك قيل – حسب النص -: “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”، وإن تسبب في الظلم، فهو يحتاج إلى من يصوب مساره، حتى لا يتمادى في ظلمه للآخر، أو يتمادى الآخر في ظلمه له، فالمسألة بها فعل ورد فعل، إن تسببت في ظلم الناس، سوف يتسبب الناس في ظلمك في مواقف أخرى، ولذلك تأتي من هنا فلسفة تطبيق الأحكام، فالحكم كما يجبرك على أن لا تظلم الآخر، ففي المقابل نفس الحكم يوقف عشرات من الناس عن ظلمك، وبالتالي فعلى الإنسان أن لا يستنكف صعوبة تطبيق الحكم على نفسه في شيء ما، والحكم هنا، يقينا، ليس المقصود منه حكم المحكمة، ولكن أي نص، أو عرف، أو قيمة معينة توقف ممارساتك الخاطئة عند حد ما، فذلك كله في المقابل سوف يعود خيره عليك، لأن الآخرين سيخضعون لنفس الحكم، وبالتالي يكفون شرهم عنك.
نردد دائما القول: “النفس راغبة إذا رغبتها: وإذا ترد إلى قليل تقنع”، فالرغبة الجامحة للنفس في الحصول على كل شيء، هي التي تفضي الى الزج بصاحبها إلى ظلمات المهالك، ومنها ظلم الآخرين، في الوقت الذي ينتظر الآخرون منا أن نكون خير معين، وفي أحيان كثيرة تأتي هذه الرغبة لتقضي على مجموع الخبرات، التي يفترض منها أن تكون الضابط المهم في عدم الانصياع لرغبات النفس، وهذه إشكالية موضوعية في هذه العلاقة، من هنا فقط، يبقى للتشريع أهميته المطلقة في بقاء حالة التوازن القيمي لدى أي منا.