الشعبانية وتصرفات غير مألوفة
عبدالله بن حمدان الفارسي
الشعبانية موروث شعبي يقام في الرابع عشر من شهر شعبان من كل عام، له وقع خاص وفريد ومناسبة تسعد كافة أطياف وفئات المجتمع الصوري كلُ حسب دوره وواجباته وحصيلته، ولا سيما الأطفال بدءًا من إرتداء الملابس الجديدة، كالدشداشة الصورية للذكور، منها المطيوعية والمخلطة والمصرة الصورية وملحقاتها، وأيضا هناك الدشداشة الصورية للإناث، والكمة وثوب الرجل طبعا وتوابعها من اكسسوارات. كل ما ذكرت تتنافس عليه النساء-الخياطات- في إبراز مواهبهن وإمكانياتهن الفنية حسب قدرات وإمكانيات كل واحدة منهن.
ويبدأ يوم الشعبانية من إشراقة الشمس حتى مغيبها، تتخلله تلك المناظر الجاذبة للأنظار، منها الحركة الدؤوبة للأطفال وهم في أفواج متفرقة يجوبون حارات المدينة من زقاق إلى زقاق، ومن بيت إلى بيت بملابسهم الجميلة الزاهية، بحثا عن الشعبانية (بيسات معدودة) التي تمنح لهم من كل بيت يدخلون إليه حسب الإمكانيات والقدرات المالية لأهل البيت، ولا ضير إن خالطت تلك البيسات بعض الحلويات والمكسرات.
في أغلب الظروف تكون مهمة توزيع الشعبانية تقتصر على الجدات أو من هي أكبر سنا في البيت، مع السؤال المعتاد والمتوقع من نساء البيت للأطفال “أأنت ولد من أو بنت من؟”، ويا لفرحة المحظوظ أن تم التعرف على أمه أو عائلته فسوف يكون له النصيب الأكبر من المحصول عن بقية رفاقه، كذلك يتم التركيز على حياكة وخياطة الملابس والأقمشة والانتقاد أو التأييد لها، وكذلك بالنسبة لحافظات النقود أيا منها الأجمل والاحلى.
نخص بالذكر بأن أبواب المنازل في يوم الشعبانية تكون مشرعة على غير العادة لاستقبال ضيوف الشعبانية من الاطفال (أحباب الرحمن)، ولا يكاد الطفل وبحركة عفوية يصل لباب المنزل للخروج إلا وهو يقوم يتفحص ما تم منحه له مع المقارنة بينه ورفاقه.
كل تلك المشاهد تدخل البهجة على الكبير قبل الصغير لما لها من تفاعل وتناغم وانسجام ومشاركة تنم عن تكاتف وترابط المجتمع الصوري .
إن اكثر ما يسعد الأهالي أيضاً في هذا اليوم؛ هو الشعور المتوهج بالفرح والارتياح بأن شهر الخير والبركات -شهر رمضان- هلت نفحاته المباركة، وهبت نسماته العليلة؛ ليبدأ الجميع بالاستعداد التام لاستقباله والتفرغ لما هو واجب عليهم إتجاه هذا الضيف الفضيل.
لكن ما تم رصده وملاحظته، وما عكر صفو وأهدر الفرحة بيوم الشعبانية، والأمر الذي أفقد هذا اليوم فرحته التامة وسلب منه جزء من مضمونه الجميل؛ هو مشاركة عاملات المنازل فرحة الأطفال وسلبهم قهرا لذة يومهم هذا!
طبعا بعضهنّ كانت مشاركتهنّ بحجة مرافقتهن لأطفال الكفلاء الذين لا تتجاوز أعمارهم الثلاث سنوات، وهذا في حد ذاته مرهق للطفل، ولربما سمع بعضنا وشاهد بكاء الأطفال، ولكن لأسباب مجهولة علينا، قد يكون نتيجة وقع ضرر عليه، وكذلك لربما يتم سلب حقه من حصيلته لعدم إدراكه ووعيه للحدث، وما خفي كان أعظم أيضا!.
فالأمر تجاوز المعتاد والمألوف والمتعارف عليه!
نساء كبيرات في السن اقتحمن مضمار الفعالية للحصول على مبلغ زهيد قد يكون فيه إهداراً لكرامتهن وتعرضهن للتوبيخ، والأعجب منه شباب تجاوزوا سن المراهقة يقتحمون المنازل ( كما يقال: لا أحم ولا دستور )، منتهكين حرمة المنازل وخصوصياتها بتصرفات غير مسئولة نهائياً، بحثا عن حفنة بيسات، مع الامبالاة بالانتقادات الموجهة إليهم!
كان في الماضي الأطفال من هم دون سن الإدراك وعدم المقدرة على السعي وتحمل السير لمسافات ومواكبة من هم أقدر وأكبر منهم، تصلهم شعبانيتهم من أقاربهم ومعارفهم إلى منازلهم عن طريق شخص مؤتمن، ولنأخذ هذه بعين الإعتبار على أنها مناسبة صحية وموروث يضفي على النفس البهجة والسرور خاصة الاطفال، وليس في المقام الأول المقصود منه الترزق أو تعليم الأطفال ظاهرة التسول كما يشير إليه بعضهم؛ والشاهد على ذلك نظافة وخلو المجتمع العُماني من هذه الظاهرة السلبية.
هذه الفعالية كما أسلفت موروث شعبي مقتصر على أهالي مدينة صور، ولا حرج؛ بل لنا الشرف بأن نستقبل كل طفل من خارج الولاية لديه الرغبة في مشاركة إخوانه من أبناء الولاية؛ فإن ذلك يعزز روابط الإخوة والمودة بينهم، والشعب العُماني هذا هو ديدنه ونهجه، قلب واحد ونبض واحد، وهذا ما تعلمناه من أسلافنا وما عهدناه من ولاة الأمر منا؛ ولكن ما تم حقاً ظاهرة سلبية ليست لها علاقة بهذه المناسبة ولا بخصوصياتها!
نتمنى مستقبلا من المهتمين التصدي لها، ومنع حدوثها وتكرارها، ودمتم بود.