2024
Adsense
مقالات صحفية

عند النداء ..

محفوظ بن خميس السعدي

تمر عليك مركبة ذات ألوان صفراء، وينزل منها شخصا يرتدي قبعة سوداء من أجل إطفاء لهيب نار أو سحب مركبة تم احتجازها في مكان ما، تلك المركبة ليس فيها شخصاً بل عدة أشخاص؛ مهمتهم الوحيدة الجسيمة هي انقاذك!

الحديث هنا يجرنا إلى الحماية المدنية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان في دولة القانون والمؤسسات، وبالتالي لا بد من تأسيس الأرضية للحديث بإيراد تعريف الحماية المدنية، وهو تعريف سنجلبه طبعا من محرك البحث العالمي على الإنترنت؛ حيث ذكر “أن هناك تعريفا للحماية المدنية أجمعت عليه معظم التشريعات بالدول التي تأخذ بهذه التسمية؛ على أن الحماية المدنية هي، حماية ونجدة الإنسان والممتلكات في كل الظروف، في أثناء الحروب والاضطرابات والنكبات”. إلى هنا انتهى تعريف جوجل، أما الحماية المدنية علي سبيل المثال وليس الحصر في إحدى بلدان شمال أفريقيا؛ “تعني تكليفها بجميع المهمات والتدخلات التي تستوجبها نجدة الأفراد وحماية الممتلكات من مختلف الحوادث والفواجع والكوارث، وبسلامة المؤسسات والمنشآت العمومية والخاصة مهما كانت صبغتها”.

فالحماية حسب التعاريف السابقة تعد وقاية وعلاج أيضا، وانطلاقاً من هذا المفهوم سعت الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف منذ إنشائها بالمرسوم السلطاني السامي رقم (13/2013م) على تفعيل اختصاصاتها؛ ومن ضمنها خدمات الحماية المدنية التي تعد هي الوقاية، وتعد من أهم الأهداف التي يتوقف عليها نجاح أي مؤسسة تسعى لبناء مجتمع خالٍ من الحوادث بكل أنواعها، إلى جانب خدمة الإطفاء وخدمة الإسعاف وخدمة الإنقاذ بكافة أنواعها عن طريق فرق البحث والإنقاذ، وسنركز هنا على هذه النقطة ولكن قبلها لنفهم المسار التاريخي لخدمات ما يعرف بالحماية المدنية آنذاك، والتي بدأت في السبعينيات عندما كانت في مسقط آنذاك مركبة إطفاء واحدة من نوع (لاندروفر)، يعمل عليها موظفان من البلدية حسب ما ورد في موقع الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف، ومع مرور الزمن توالت التشريعات والقرارات التي تنظم عمل الدفاع المدني؛ حيث صدر المرسوم السلطاني السامي رقم (68/2014م )؛ المتضمن إصدار نظام الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف، ومن ثم المرسوم السلطاني السامي رقم (39 /2021م) في شأن الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف، وأمام هذه المعطيات تم تدريب فريق العمل في الهيئة كمؤسسة ذات اختصاصات تعمل على حماية وإنقاذ الانسان على هذه الأرض المعطاء، فالتعامل شبه اليومي أو الشهري أو السنوي من قبل الفرد المنظوي للعمل في هذه الهيئة يكون بمواجهة المخاطر بكافة أنواعها وتحييدها؛ فحينما يسقط شخص في قعر بئر ماء أو يتعرض لمحاصرة حريق أو يتم احتجاز مركبة في مجرى الأدوية أثناء الأمطار والأعاصير يكون هذا الفرد موجوداً بجانبه، ويعمل مع فريق مكتمل على محاولة جبارة وحثيثة وضرورية من أجل القيام بعملية إنقاذ متقنة تدرب عليها سنوات وفق جدول زمني، وقام باستقاء المعلومات من خلال دورات تدريبية وندوات داخلية وخارجية، كما حدث أن وقعت الهيئة مع الدفاع المدني السنغافوري لتدريب وتعزيز قدرات أفراد فرق البحث والإنقاذ.

لكن مع ذلك يجب علينا التفكير مليا في هذا الفرد المنقذ الذي لديه مشاعر وأحلام وآمال، ولديه أسرة يعود إليها، وحديثنا حول تلك الفئات من المجتمع العُماني التي تخالف التعليمات بشأن كيفية التعامل مع كافة المخاطر التي تهدد سلامة وأمن أي فرد من أفراد المجتمع، وهؤلاء مهامهم وأعمالهم هامة جدا، وكما رأيتم في حادثة الطفل المغربي الذي سقط في البئر، أو الزلزال الذي حدث في تركيا أو مجموعة الحرائق في الجزائر، وأثناء الحروب، فعلى ذلك يجب أن نضع في اعتبارنا أن هذه الشخصية التي تجازف بنفسها ضمن إطار فريق بحث وإنقاذ، وتواجه الخطر في أي لحظة، وتأكيداً على ذلك، تشير الاحصائيات الصادرة عن الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف؛ أن عدد الأشخاص الذين تعاملت معهم الفرق (441) شخصا من ضمنهم(127 ) شخصا احتجاز أشخاص في مجاري الأدوية، ناهيك عن (36) حريقا و(50) حالة مرضية و(9) احتجاز أشخاص في مبان و(34) حوادث طرق، في حين إجمالي البلاغات (273) بلاغا، والشاهد هنا على انعدام المسؤولية لدى البعض هو أعداد الذين محتجزين في مجاري الأدوية رغم التحذيرات، وعند وقوع المحذور يتم إصدار النداء، وعند النداء يكون هناك أفراد الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف؛ مما يجعل عمليات الإنقاذ والبحث عن تلك الأفراد التي تغامر بعبور الأدوية والخروج ضمن أنواء مناخية عاصفة أو بمنخفض جوي عميق غاية في الصعوبة وشديدة الخطورة، ومع ذلك نجد أن فريق الإنقاذ والبحث يغامر بنفسه من أجل إنقاذ هذا الشخص المحتجز بكل تفاني وإخلاص، فلماذا نكون نحن سببا في فقدان حياة هؤلاء الأبطال بسبب رعونة وجهل البعض بتلك المخاطر الجسيمة واستعراض عضلات دون فائدة؟!، ورغم أن العقوبة الرادعة مشددة من قبل القانون إلا أن بعضهم لا بد أن تردعه نفسه قبل أن يردعه القانون؛ فثقافة الشعور بالمسؤولية اتجاه أفراد فرق الإنقاذ والبحث يجب أن تكون حاضرة في ذهن كل شخص، فهؤلاء أبناءنا وأهالينا؛ فلا بد من الحرص على سلامتهم، حيث بخروجنا نكون نحن سببا في هلاكهم لأنهم يضحون بأنفسهم؛ فعلينا الالتزام والتقيد بالتعليمات والتحذيرات الصادرة أثناء الكوارث لكي تكون سلامتنا وسلامة أفراد هيئة الدفاع المدني والإسعاف هي شعارنا الدائم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights