رقصة الحقيقة.. كيف تتساقط الأقنعة؟
خميس البلوشي
في خضم مسرح الحياة اليومية وتسارعها، تتفنن الأيدولوجيات البشرية، ويتقن كثير من الناس فن ارتداء العديد من الأقنعة، تلك الأقنعة التي تخفي ملامح وجوههم الحقيقية، وتكشف عن وجوه متلونة ومختلفة، وتعتبر كأنها رقصة معقدة معتادة من بين رقصات الحقيقة والخيال، حيث يسعى الشخوص لإخفاء هويتهم الزائفة وراء واجهة مزيفة.
ويرتدي كل شخص قناع من أقنعته الزائفة، ويخفي وراء قناعه تفاصيل حقيقية تعكس باطن هويته الحق؛ فقد يكون واجهة القناع قناعا شخصيًا يخفي جوانب من ذاته الحقيقية المتراكمة وفق صراعات وتراكمات وتجارب شخصية، أو قناعا اجتماعيا يرتبط بتوقعات المجتمع وما يدور حوله. وهذه الأقنعة تمثل مدخلًا إلى عالم الظواهر والتصنع البشري.
ولكشف وفك رموز أسرار تلك الأقنعة، يجب أن يكون لدينا نظرة ثاقبة وعميقة لتلك الرموز الصغيرة والمتمثلة في لغة الجسد وحركات الجسم وإيماءات الأعين ولغة الشفاه، والتناقضات الخفية التي لا ترى بالعين أو النظرة البسيطة، وكذلك مرادفات الكلمات في الخطب الموجه، وفتح أبواب التعمق والفهم لما وراء الواجهة الزائفة، إنها رحلة في عالم الحدس والتفكير العميق لتلك الشخصية المتلبسة بذات الأقنعة.
ويتقن العديد من الشخوص كذلك فن التلبس بالأداء والتمظهر الاجتماعي؛ حيث يقدمون للعالم شخصية مزيفة تختلف عن حقيقتهم الداخلية، وهذا ما نراه في واقعنا الحقيقي كوباء، وللأسف هذا الأداء يعكس توقعات المجتمع وضغوطه الاجتماعية، ولكنه يترك للأشخاص حرية الاختيار في كيفية تحديد هويتهم.
وتروي العديد من القصص، الكشف عن الأقنعة؛ كقصائد حب متشابكة بين الأحلام والواقع الحقيقي، وتحكي عن لحظات الشفافية والجرأة التي تكشف فيها الأقنعة لتكشف جواهر الروح الداخلية.
وفي نهاية المطاف، يبدأ الأشخاص برقصات متنوعة وتناغم مع الحقيقة، ويقفون عراة أمام المرآة الخاصة بهم، وتنفك تلك الأقنعة شيئا فشيئا بلطف، وتظهر الحقيقة الزائفة المرة، والتي لا تقبلها عصارة الفكر البشري، وهنا يقبل الذات ” الأنا الأعلى” بكل تفاصيلها هذه الرقصات، ولكن تتطلب منا قوة وشجاعة لتتحول إلى تحفة فنية لا تُنسى… “بسم الله عليكم”.
ولربما يكون فن تساقط الأقنعة هو أسمى فنون الحياة البشرية وكيفية التعامل معها، حيث يجمع بين الحقيقة والجمال، وبين الرفض والنكران. ولنكن جميعا مصدر إلهام لبعضنا بعضا، ولنبني جسورا من الصداقة عبر الأقنعة المتساقطة الزائفة؛ لكي نكون حقيقيين وجميلين في رقصتنا المشتركة.