في بيئة العمل
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة
في حوار ودي شيق، بيننا قمنا بالتحدث فيه عن أحد الزملاء، والتصرفات غير اللائقة، وإنها غير ملائمة لشخصه الكريم.
تخيل مجموعة من الزملاء يبحثون في طرق تعامل زميلهم الآخر، ويطرحون الحلول والأفكار وهو غير متواجد بينهم؛ وإذا اقترب منهم ساد الصمت وتغير وجه الحوار!
تخيل أن بعد هذا الحوار والسرد المطول لعيوبه يختمون كلامهم بعبارة جدا مؤثرة ألا وهي: نحن لا نغتابه بل نريد مصلحته وإنه عزيز علينا ولا نريد له إلا الخير!
تخيل أنهم يريدون مصلحتك ولأنهم مهتمون لأمرك، لا يتحدثون لك؛ بل يتحدثون عنك، فما هذه الأخلاق الرفيعة السامية؟! وما هذا الحب الذي يكنونه لك؟!
إن كان يهمهم فعلا أمرك؛ لتحدَّثَ أحدهم أمامك وترك لك المجال للدفاع عن نفسك، وقدم لك النصيحة بدلا من الكلام من غير فائدة، أو كما يقال: “الحش على الفاضي”.
ولكن لا تحزن ولا تخف، وتأكد بأنهم لم ولن يصلوا إلى مبتغاهم ما دامت نيتك صالحة، وهم يقولون عكس ما تفعل.
نعم، هذا نموذج حي في غالب أماكن العمل، فقد استمعت دون استمتاع لمثل هذه الحوارات، والمضحك المبكي نهاية الحديث!
موقف آخر، يتقدم لك بعضهم بنصيحة -جزاهم الله خيرا- وبقصد الإصلاح؛ وهذا ما يجب فعله لكي يعطي لك المجال للتحدث والسماع منك لا عنك؛ فمثل هؤلاء هم المحبون لك فعلا.
وآخر يحبطك بطريقة غير مباشرة ويقوم بشحنك على الآخرين ويظهر لك عيوبهم وبدون أن تعرف، ويبين لك أنك مخطيء، ويوجهك بأسلوب المحب المقرب وهو أشد الزملاء خبثا؛ فاحذر من تصديقه.
التنافس في مكان العمل كبير جدا وإن كان غير محسوس، وتختلط الصفات بين الشخصيات بتنوع غريب) فبيئة العمل أشد خطرا أحيانا من بيئة الحياة العامة، فإن اتّبعت غوغاءها وقعت في مستنقعها.
لا تصدق كل ما يقال؛ بل حكم عقلك، وانظر من زاوية معاكسة، واستمع للأطراف الأخرى، ولا تتحدث كثيرا أو تدافع كثيرا؛ فلربما تقع في فخ نصبوه لك بكلمة غير مقصودة فتؤخذ عليك، وتستخدم ضدك.
هناك محللون نفسيون يفسرون كل كلمة وكل تصرف مقصود أو غير مقصود، دون أن تتحدث أحيانا يتوهمون بقراءة أفكارك ويصورونها حقيقة.
بعضهم تجاوز ذلك كله، حتى وصل به الأمر أن يقوم بالتدخل في شؤونك الشخصية ويراقب تحركاتك، فلا تستغرب فكل ذلك وأكثر موجود.
يساء الظن كثيرا فيك ولن يتوقفون عند هذا الحد؛ فدوافعهم الشخصية تجبرهم على البقاء والاستمرار.
بعضهم يقذف ويخوض في الأعراض ونسي أنه كما تدين تدان، لا يخجلون من أنفسهم، ولا يعلمون أن الكلمة قد تصيب جرحا، وقد تهدم بيتا، وقد تحط مستقبلا؛ أفلا يتفكرون؟!
من يراعي الله عليه أن يعرف أن كل كلمة أو سوء ظن محاسب عليه أمام الله سبحانه وتعالى يوم الفصل، سيتجلى من هو الذكي ويتجلى من هو الخاسر ومن هو الرابح، يفصل بيني وبين هذا، يفصل بين الخلائق كأمم، ويفصل بين الشعوب كطوائف، ويفصل بين القبيلة الواحدة وبين الأسرة الواحدة وبين الأشخاص، بين الإثنين وبين الجماعات وبين الشعوب وبين الأمم، في كل ما كانوا فيه يختلفون، في كل ما كانوا فيه هنا في الدنيا يتمايزون من أجله.
فما عليك عزيزي القارئ الكريم إلا التوكل على الله، وعدم السماح لأحد أن يخوض معك في مثل هذه التفاهات.
عليك بالحزم وعدم القبول حينما تشعر بأن الطرف الآخر يملي عليك ما يريد؛ وإلا ستصل إلى درجة الهذيان، وسوف تتبع هواهم وأهوائهم دون إدراك.
عليك بتحكيم عقلك والنظر بعين المبصر لا بما هم ينظرون، عليك بمناصرة الحق وإخماد الفتنة، فالإشاعات تأتي من مرضى القلوب بأوهامهم وأفكارهم الخيالية التي يظنون بها في الناس.
عليك بقول الحق والصدق، ولا تكترث لمخططاتهم؛ فلهم أهداف مدسوسة، وهم من يدسون السم في العسل؛ فلا يغرنك حسن قولهم وطيب معشرهم ونصائحهم؛ فهم يوجهونك لما هم يريدون.
هكذا بيئة العمل فيها الصالح والطالح، وعليك أن تتعامل معهم بحزم وشدة في بعض المواقف لكي تحمي نفسك وغيرك، فإن السكوت عن الحق ظلم، والساكت عن الحق شيطان أخرس.