انطباع شخصي
د. حميد أبو شفيق الكناني
أتعمّق في القرآن الكريم، وأغوصُ في الأدب الرفيع، وأغورُ في التاريخ القديم والجديد، عسى ولعلّ أن يسعفني في بعض المواقف التي لا أراها ضرورية سوى للتعبير عن شعورٍ داخليّ أو انطباعٍ شخصيّ.
ما أكبر العالم وما أوسع هذه البسيطة المبسوطة التي وضعها الله للأنام!
هذه الأرض ذات الطول والعرض!
أخشى ما أخشاه التحديات، وأخاف أن أعيش في غفلة تنتهي بصدمة وضربة قاضية أو نكسة وهزيمة قاسية.
لقد كنت في غفلة من هذا!
بينما أنت تلهو، فإن غيرك يصنع مجداً.
يبدع ويخترع.
على الرغم من أني لا أميل إلى تمجيد معطيات الحضارة، فالحضارة حرب والحرب سرقة.
ثم أعكتف على نفسي وأعطف عليها:
أين أنا؟ وما موضعي من
الإعراب؟
عشيرة في جزيرة أم “حبة رمل على ساحل لا نهاية له”؟ كما يقول محمود درويش وهو يواسي نفسه.
أين في الأهماس همسي
أين في الأعراس عرسي
وماذا سيحدث عندما أكون في خبر كان؟
ولعل لسان الحال هو الانطباع الشخصي الذي ردّده الإمام علي كرم الله وجهه في آخر لحظات حياته:
فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ وَمَهَابِّ رِيَاحٍ وَتَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا وَعَفَا فِي الْأَرْضِ مَخَطُّهَا وَإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً وَسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلَاءً سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ وَصَامِتَةً بَعْدَ نُطْقٍ
“فالمقابر مليئة برجال لا غنى عنهم”، هي مقولة شارل ديغول.
وكذلك فالأرض مليئة بالناس الذين كانوا يظنون أنه لا يمكن الاستغناء عنهم، وكأن الله لم يخلق سواهم.
ما زاد حنون في الإسلام خردلة
ولا النصارى لهم شغل بحنون
وظن حنون دوماً لا يوماً أن الله لم يخلق سواه
بالهمزات الثلاث:
يؤسفني ويؤلمني ويؤذيني أن أكون حنوناً، وكم يزعجني ويحرجني أن أغرّد مع غسان كنفاني تغريدة الأذى والأسى:
وأرهقتني فكرة أن أموت، أن أنتهي، ويستمر كل شيء.
نعم بالتأكيد والتأييد:
سأموت وأنتهي ويستمر بعدي كل شيء.
ولكن ضمير اللاوعي لا يقنع، بل يتبع التحيز المعرفي ويترنم بأقوال بعضهم:
خذني بعيداً عن مدينتي التي شبِعتْ من الموت.
خذني إلى مدينة لا يزورها الفراق، لا أرى فيها موت أنكيدو، ولا أسمع فيها عن حزن جلجامش.
ولا أعيش فيها سنين يوسف أو بركان سنة 536 الميلاد.
في ديار ألف ليلة وليلة.