2024
Adsense
مقالات صحفية

مواقد الشتاء

بقلم: مَيَّاء الصوّافيّة

أمي على عتبات بيتنا القديم، حيث مزلاجه الذي فتحته طفولتنا، ولجأَتْ إلى موقد محبتك؛ وحضن أمانك.

 أذكر يا أمي، بأني أخبرتكِ حين فجرّ ماطرّ عندما كنتِ تعيشين في قُبلة الحبّ والحياة بأن المطر كقُبلتكِ الحانية عندما تلقينها على صرخات هلعنا، وتغرسينها على سهول سعادتنا، وحتى عندما تذيبينها بانعكاس شمس الصباح بعمود أشعتها على صفحة وجوهنا المتشربة بملامحكِ، وأذكر بأن المطر حينها كان يهطل بدفءٍ أمام ساحات بيتنا وهو كدفئكِ أمي.

أمي، أخبرني الحنين على مدار غيابكِ بأن المطر كطُهرك، وكمعناكِ في كل مرادفات ألفاظ الأمومة التي تزدحم بها القلوب، والمعاجم ومعاني الشِّعر والشوق، فكأنَّ غيوم الشتاء سكبت ملامح حنينها على زوايا انطبع لحنكِ عليها ذلك اللحن التي استظلّتْ به قلوبنا حينما كانت تعود من هاجرة حرّ المعاناة، فتضجّ صدورنا بشذاه، وتستثير نفوسنا به تلك النفوس التي كانتْ تلتمّ بلمّة الحبّ الصادقة منك، وإنه ليشبه رائحة الحنين المستوحدة بكِ.

إن لفحة انتظاركِ على عتبات بيتنا أصبحتْ بعيدة كانتظار المستحيل، وكل الطرقات تغدو جميلة بعدما تغسلها الأمطار الشتوية، لكنها بعد خُطاكِ تظلّ عيوننا تبحث عن أُنسٍ قد تجده مختبئاً بعطر ثراكِ.

أمي، مواقد الشتاء تنهّدتْ، وأخرجتْ زفرةً على حافّة اللهب بطعمها المصفرِّ والمُرّ، وناولتنا حنيناً إليكِ على بساط ألسنة اللهب والشوق والدمع بموائد الجمر بعدما غاصتْ جذوره حين وحدة في نظرة أعيننا بحثاً عن معاطف عطفك، ودفء حضنك.

على جوانب دروبنا أوراق ذكرى تَتَلقانا بشرارات الشوق في الخُطى التي كُنّا نسير عليها رانين إلى أمانِك؛ إنها شرارات الوقع الحزين يا أمي، تناثرتْ في الثرى البارد الذي جمدتْ أرصفته حين غادرها وقْع أقدامك، لأنها أحسّتْ بعد لطفكِ بأن البُعد منكِ هو بُعدٌ لن يعود بعده اللقاء.

لكنها ذكراكِ تدفئنا حين ترتشع شفاهنا من فرط الشوق، وإنها لتعاكس وقْعها حتى الدموع، وذلك حين البكاء يسيُّرها على زاوية من زوايا الشتاء الذي ما زال مصدوماً، فتحرقنا وتهلكنا، وتجعلنا رماداً كألسنة المباخر لا نهتدي لوجهة، ولا نقدر على الوجع الذي بالكاد نخرج منه.

إنه مطر الشتاء، يبكي بغيوم حنيننا، وبلهفة انتظارنا، واحتباس آمالنا، ولملمات أنفسنا التي لم ندركها حين جبر.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights