سليمان بن سعيد بن زهران العبري
اشتهرت منذ القدم أسواق مركزية في سلطنة عُمان لها تاريخ عريق، وبعضها ترتبط بعلاقات تجارية دولية، وتعتبر مركز الإستيراد والتصدير للأسواق المركزية بالولايات الأخرى ومنها للتصدير الدولي.
فعلى مستوى السلطنة أشهرها سوق مطرح بالعاصمة مسقط، حيث يستقبل البضائع من الأسواق الأخرى المركزية تمهيداً للتصدير، وبالمقابل إستيراد البضائع من بعض الدول وأشهرها الهند.
وفي ولاية عبري كان سوق عبري وإلى جواره سوق العراقي من الأسواق المشهورة المركزية التي تصدر المنتجات الزراعية؛ كالتمور والليمون والجلود وغيرها لسوق مطرح؛ لأجل التصدير الخارجي، كما يعتبر سوق عبري وسوق العراقي مكملان لبعضهما، وملتقى يومي للتجار وفق نظام يتناسب مع الجميع؛ ففي سوق عبري تتم المناداة في الصباح الباكر لجميع الأنواع والأصناف، ويعج السوق الداخلي بالناس قادمين من مختلف قرى الولاية، وأغلبهم يأتي من بعد صلاة الفجر مباشرة، ويكون ملتقى كبير من بدو وحضر، وأما سوق العراقي فتنشط قوته وكذلك المناداة لمختلف الأصناف من بعد صلاة الظهر حتى أذان صلاة العصر؛ ففي هذا التوقيت يومياً تشاهد الإزدحام الشديد قادمين من أغلب القرى بالولاية لسوق العراقي، فمن لم يتوفق في بيع بضاعته صباحاً في سوق عبري ينتقل ظهراً لسوق العراقي، واستمر السوقين بهذه القوة والحركة النشطة حتى الثمانينات، وبعد ذلك بدأت تضعف تدريجيا لأسباب كثيرة، ولعل من أهم هذه الأسباب توفر الأسواق الخارجية والمراكز التجارية في كل مكان، وتدخل العمالة الوافدة في كل شيء؛ وبالتالي فإن مستقبل الأسواق الشعبية التقليدية التراثية سوف تنعدم مستقبلا إن لم يعاود إليها أهلها كما كانت.
أصبح الوضع الحالي لسوق عبري الداخلي للأسف الشديد للعمالة الوافدة لخياطة الملابس! على الرغم إنه تم ترميم جانب منه وتجميله والسوق الجانب الآخر قد تم تدميره وإزالته من الوجود لأسباب مجهولة خاصة الأسواق الشرقية والشمالية لحصن عبري، فهو سوق كبير وامتداداً للسوق الحالي، وعسى أن يتم إعماره كما كان بقرار حكومي.
كذلك الحال بالنسبة للوضع الحالي لسوق العراقي، فللأسف أصبح مهجوراً تماماً بعد أن كان الإنسان يصعب عليه المرور فيه من زحمة الناس في جميع الاتجاهات، وتسمع ضجيج المنادين من مسافات بعيدة، كلٍ ينادي ببضاعته، والناس تجلس أمام الدكاكين ويحرصون يوميا للحضور ليشهدوا المناداة.
إن الانطلاقة التي تسعى لها الحكومة والتشجيع بالسياحة تنطلق أولا بتوفير الخدمات الأساسية العامة، وإيجاد المواقع التي سيشملها البرنامج السياحي، ومن خلال خبرتنا فإن الأسواق الشعبية القديمة هي التي تشجع وتجذب السياح من داخل السلطنة وخارجها، ونأمل أن تعود الحياة من جديد لسوق عبري وسوق العراقي كما كانت بهمة أهلها العُمانيين، وأن يعيدوا أصحاب الدكاكين محلاتهم التجارية كما كانت بترميم تراثي جميل، على أن يكون الباعة عُمانيين، والبضاعة عُمانية بمختلف الأصناف والأنشطة التجارية، وأن يعود نظام المناداة كما كانت وفق الأنظمة المعتادة؛ وبهذا ستتطور السياحة وتنمو تدريجيا بمحافظة الظاهرة عامة، وولاية عبري خاصة.
إن النجاح الكبير الذي يشهده سوق نزوى واستمرار المناداة هي التي جذبت السياح وساهمت في النجاح، حتى أصبح وقت المناداة مسجلاً في البرامج السياحية للحضور نظراً لأهميته لدى السياح الأجانب.
إضافة إلى ذلك أن كلا سوق عبري وسوق العراقي محاط بحارات وبيوت أثرية، واستكمالا للجذب السياحي واستكمالا للخدمات العامة أن يقوم الأهالي أصحاب تلك البيوت الطينية والجصية الأثرية باستغلالها سياحيا بعمل نزل تراثية للإقامة كما هو الحال في الولايات الأخرى، مثل ولاية الحمراء وولاية نزوى، مع تخصيص بعضها مطاعم ومقاهي سياحية وخدمات عامة تخدم الزائرين، وإن شاء الله سيبدأ عام ٢٠٢٤ بالتطوير السياحي، والإنطلاقة الحقيقية بمحافظة الظاهرة بإذن الله بجهود الأهالي، وتشجيع الحكومة بالتسهيلات اللازمة.
