رحلة التواصل الرقمي: بين تأثيراتها النفسية والجسدية ومحاولة تحقيق التوازن الصحي في عالم مواقع التواصل الاجتماعي
مريم المفرجية
في رحاب العالم الحديث نعيش في عالم سريع التغير، حيث تتلاحم التكنولوجيا والتطور الاجتماعي في مشهدٍ لا يعرف السكون، منصات التواصل الاجتماعي في تزايد وتغير مستمر ولا يمكننا أن ننكر الأثر النفسي الذي تتركه على الإنسان، تختلف اهتماماتنا وتطلعاتنا في تصفح الأخبار والمحتويات المنشورة على تلك المنصات، حيث يتراوح الأسلوب من تبادل اللحظات اليومية البسيطة إلى استعراض القضايا العالمية المعقدة. وفي هذا السياق ينطوي الانغماس في عالم مواقع التواصل الاجتماعي على الكثير من الأبعاد، فهو ليس مجرد تفاعل رقمي بل يمتد ليكون سفراً عاطفياً وتفاعلياً في ساحة الواقع الافتراضي.
الصالحي: هناك فجوة كبيرة بين الشخصية الحقيقية والشخصية الافتراضية.
الحضرمية: التعرض للمحتوى السلبي نتيجة لإدمان استخدام منصات التواصل الاجتماعي يؤدي للقلق والهلوسة والاكتئاب.
الحضرمية: استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مفيد للصحة النفسية.
الاستعراض الاجتماعي
لمعرفة مدى تأثير الاستعراض الاجتماعي في الصحة النفسية، يقول معاذ الصالحي أخصائي علم نفس: لأول مرة في التاريخ يشتهر الإنسان بسبب استعراضه لحياته ويومياته حتى لو كانت مجريات يومه عادية ولا يوجد بها أي إثارة. وهذا الاستعراض أثر على الصحة النفسية وشيوع ثقافة النرجسية.
وتوافقه الرأي أميمة الحضرمية حيث قالت: قد يؤثر استعراض بعض المقتطفات المتعلقة بالحياة الاجتماعية على الصحة النفسية بشكل سلبي من خلال المقارنات المباشرة وغير المباشرة، فقد يظن البعض أن حياته سيئة وأن الجميع سعداء عدا هو ف لا أحد سواه يعيش البؤس والشقاء، لذلك كثرة الاستعراض تحفز سلوك السعي نحو المثالية المطلقة والتي ليس لها وجود في الحقيقة مما يؤدي للإرهاق والتعب النفسي والجسدي والعقلي.
أضاف الصالحي: يوجد لدينا شخصية افتراضية وشخصية واقعية، فالشخصية الافتراضية هي التي نظهرها في مواقع التواصل يعني مثلا ممكن أن يكون الإنسان فقير معدوم ولا يوجد لديه أي شيء لكن عندما يظهر في مواقع التواصل الاجتماعي يريد ان ينال إعجاب الآخرين، فيبدأ بجعل نفسه مثاليا يبدأ يستعرض الاشياء الموجودة لديه وهذا الشيء غير موجود؛ لكن لأنه يريد الاستعراض فتتضخم عنده الشخصية الافتراضية فتكبر الفجوة بين الشخصية الحقيقية الواقعية وبين الشخصية الافتراضية التي هي في الأساس وهم. ونحن نعرف أن الإنسان كائن اجتماعي يحب مشاركة الآخرين، لكن أيضا الانسان كائن متفرد له خصوصياته وله آراؤه ومشاعره الشخصية الخاصة فيه.
التعرض المستمر
وعن تأثير التعرض المستمر على المحتوى الاستعراضي في مواقع التواصل الاجتماعي يقول الصالحي: يوجد مصطلح حديث نسبيا اسمه أثر التعرض بمعنى أن الأشياء التي نتعرض لها في مواقع التواصل سواء كان منشورات صور فيديو تؤثر على حالتنا المزاجية والمعرفية.
وأضاف الصالحي: لأن الإنسان كائن غير منطقي كائن عاطفي ويتأثر بالأشياء التي يراها، فالشخص الذي يرى صورا ومقاطع حزينة من الطبيعي أنه يتأثر ويحزن على عكس الشخص الذي يرى أشياء مبهجة ومفرحة فسيتأثر وفق مايراه، لكن النقطة الأهم أنها تولد المقارنات بمعنى أن الإنسان يبدأ يقارن حياته بحياة الآخرين ويبدأ بالتساؤل لماذا حياة الآخرين مثالية وانا حياتي بائسة؟ لماذا هذا الجسم مثالي وجسمي أنا سييء؟ لماذا هناك اغنياء وأنا الفقير؟
حتى لو يعرف في قرارة نفسه أن الأشخاص الآخرين حياتهم غير مثالية، لكن مهما كان وبالرغم من ذلك فهو يتأثر بالأشياء اللي يراها ويصبح قلقا أو مكتئبا بسبب المقارنات.
الإدمان
يؤدي إدمان مواقع التواصل الاجتماعي إلى خلق تأثير نفسي لدى الفرد، وحول التأثيرات التي يخلّفها الإدمان يقول الصالحي: توجد دراسات ذات دلالة احصائية تربط بين سلوك الانتحار وظهور مواقع التواصل الاجتماعي، يعني مثلا لو تخيلنا في منحنى أو رسم بياني بين أن عدد الأشخاص الذين انتحروا من عام 1999 إلى عام 2009 بهذا المعدل مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، ارتفع معدل الانتحار بشكل كبير، بمعنى أن هناك تزامنا بين ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وبين ارتفاع معدلات الانتحار أو محاولات الانتحار؛ لأن مواقع التواصل الاجتماعي أولا مع ظهورها نلاحظ ظهور مصطلح التنمر ولم يكن موجودا في السابق، وظهر مع مواقع التواصل الاجتماعي وأصبح البعض يتنمرون على بعضهم البعض، أصبحت هناك مقارنات يعني سابقا كنت أقارن نفسي بجاري أو بالأشياء والأشخاص المحدودة اللي نشاهدها في التلفزيون، لكن حاليا أصبحنا نطلع على مئات الأشخاص الذينقد نلاحظ أن حياتهم مثالية، فالاستخدام المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي والغرق فيه أثر على الصحة النفسية بشكل كبير.
وتؤكد على ذلك الحضرمية بقولها: كثرة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثلما اشارت بعض الدراسات تحفز الهرمونات المسؤولة عن القلق والتوتر والهلوسة.
الاستراتيجيات الفعالة لتعزيز الصحة النفسية
وعن الطرق الفعالة التي تساعد مستخدمي مواقع التواصل في تعزيز صحتهم النفسية تقول حور الحضرمية: استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مفيد للصحة النفسية إذا كان استخدامها محدودا ومدارا بشكل صحيح من قبل الفرد، وعدم استعمالها أكثر من اللازم، كما ينبغي الابتعاد عن أي محتوى سلبي.
ومن جانبه قال معاذ الصالحي: الأشخاص المختصين في مجال الصحة النفسبة أو المهتمين من الضروري أن يكون لهم دورا تثقيفيا في مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال توضيح أهمية الصحة النفسيبة وأهمية الاعتناء بها وما هي أضرار الاستعراض وأضرار الاستخدام المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي، وما هي الحيل اللي تستخدمها الشركات والخوارزميات اللي تدفعنا للاستهلاك المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي، ومن ناحية أخرى يجب على صناع المحتوى أن تكون لديهم مسؤولية على عاتق المجتمع بصنع محتوى مفيد وقيم. وعلى المجتمع دعم صانع المحتوى الحقيقي والمفيد. فهي مسؤولية مشتركة بين المختصين في مجال الصحة النفسية وبين صناع المحتوى والإعلاميين وبين المجتمع نفسه.
وتختم أميمة الحضرمية بقولها: أهم الطرق الفعالة هو متابعة محتويات وحسابات هادفة لتطوير الذات والعقلية، مع التركيز على صناعة محتوى هادف ومفيد ف وجود خطة وهدف للتركيز على محتوى هادف يقلل من نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ويكون وسيلة للتقليل من الملل وسداد وقت الفراغ.
لتفكيك هذه الألغاز والتفحص العميق، وقفنا عند عتبات الفهم والتحليل مع مجموعة من المهتمين في ميدان الصحة النفسية، بمشاركتهم نسعى لاستكشاف تلك الحدود الرقمية التي تتلاعب بين الحقيقة والافتراض، ومع ذلك فإن الاستخدام المتوازن لمواقع التواصل الاجتماعي يتطلب شجاعة من المستخدمين، ويبقى السؤال هل ستستمر الأجيال القادمة في جعل خوارزميات هذه المنصات تؤثر على صحتهم النفسية والسعي لكسب رضا الناس؟ أم أن الجيل القادم سيكون أكثر وعياً بأهمية الاستخدام المتوازن للمنصات وصحتهم النفسية ؟