المتحف الوطني يفتتح معرض “الإمبراطورية العُمانية: آسيا وأفريقيا” في متحف الإرميتاج بروسيا
سانت بطرسبورغ -العُمانية
افتتح المتحف الوطني اليوم المعرض الثاني بعنوان “الإمبراطورية العُمانية: آسيا وأفريقيا” ضمن مبادرة قاعة عُمان في متحف الإرميتاج الحكومي بمدينة سانت بطرسبورغ في روسيا الاتحادية، ويستمر حتى 26 يناير 2025م.
تأتي إقامة هذا المعرض بعد نجاح النسخة الأولى من مبادرة قاعة عُمان التي افتُتحت في 2 يونيو 2021م في إطار التعاون الثنائي الوثيق والمستمر بين المتحف الوطني ومتحف الإرميتاج الحكومي.
وقالت صاحبة السمو السيدة الدكتورة منى بنت فهد آل سعيد، مساعدة رئيس جامعة السلطان قابوس للتعاون الدولي، نائبة رئيس مجلس أمناء المتحف الوطني في كلمتها في حفل الافتتاح: إن المتحف يسعى من خلال هذا المعرض إلى إبراز الموروث الحضاري والتاريخي والثقافي والعلمي لعُمان عبر مقتنياته المتنوعة التي تكتسب هذا البهاء وسط الصرح الشامخ متحف الإرميتاج الحكومي الروسي.
وأضافت أن التعاون بين سلطنة عُمان وروسيا الاتحادية في مختلف الأنشطة الثقافية والمتحفية وصل إلى التنسيق لحماية آثار إنسانية عالمية آخرها جهود الوساطة التي تبنّاها المتحف الوطني في سلطنة عُمان مع متحف الإرميتاج الحكومي لاستعادة قطع أثرية سورية من المتحف البريطاني في شهر سبتمبر من العام الجاري.
وأشارت إلى أن التعاون الثنائي بين المتحفين شهد عملية حفظ وصون للقطع التدمرية السورية المتضررة خلال سنوات الأزمة على يد خبراء من متحف الإرميتاج الحكومي في مسقط، وإعادتها إلى حلتها الأصلية لموطنها في الجمهورية العربية السورية.
من جانبه قال سعادة جمال بن حسن الموسوي، الأمين العام للمتحف الوطني: إن معرض “الإمبراطورية العُمانية: آسيا وأفريقيا” يركز على فترة ليست معروفة كثيرًا عن تاريخنا خارج سلطنة عُمان، حيث قامت عُمان بدور محوري في ربط صلاتها في شبه الجزيرة العربية وغرب آسيا مع ساحل شرق أفريقيا والمناطق النائية الأفريقية.
وأضاف سعادته أن المعرض يضم مقتنيات منتقاة تمثل فترة اليعاربة والبوسعيد اللتين شكلتا إمبراطوريتين بحريتين من القرن السابع عشر ووصلتا إلى ذروتهما في القرن التاسع عشر الميالاديين، مشيرًا إلى أن المقتنيات تمثّل جانبًا مهمًّا من رسالة عُمان التاريخية المتمثلة في تأسيس أمة مزدهرة وعالمية متعددة الثقافات ومتسامحة تحت أئمتها وسلاطينها.
بدوره قال سعادة السفير حمود بن سالم آل تويه سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى روسيا الاتحادية: إن التعاون المتحفي والثقافي بين سلطنة عُمان وروسيا الاتحادية يسهم في تعزيز الدبلوماسية الثقافية بين البلدين الصديقين.
وأضاف سعادته أن علاقات التعاون التي تربط المتحف الوطني ومتحف الإرميتاج الحكومي من تنظيم لمعارض دورية في مسقط وسانت بطرسبورغ لتعريف الزوار بالتاريخ والثقافة العُمانية يعزز من أواصر الصداقة وينعكس إيجابًا على تطوير العلاقات بين البلدين في جميع المجالات الأخرى.
ويضم معرض “الإمبراطورية العُمانية: آسيا وأفريقيا” 28 قطعة من اللُقى المتحفية التي تعكس تاريخ الإمبراطورية العُمانية بشقيها الآسيوي والأفريقي، وتركز على حقب زمنية مختلفة ومتدرجة لحكام عُمان من الأئمة اليعاربة والأئمة وسلاطين البوسعيد في الفترة بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر الميلاديين، ودورهم كحلقة وصل بين الدول المجاورة بشبه الجزيرة العربية وغرب آسيا مع ساحل شرق أفريقيا.
ويسرد المعرض قصة تاريخ العُمانيين في شرق أفريقيا ودورهم في طرد البرتغاليين من شرق أفريقيا وتأسيس الإمبراطورية العُمانية المترامية الأطراف، وما نتج عنه من مظاهر التأثيرات الحضارية العُمانية في شرق أفريقيا في المجالات الاجتماعية، والدينية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، والعمرانية، والتي ما تزال شاهدة على هذا الوجود حتى اليوم.
ومن أبرز اللقى المعروضة سيف منحني الحد (شمشير) يُنسب للإمام سيف بن سلطان اليعربي الأول (قيد الأرض)، يعود لسنة (1086هـ /1675م) ومصحف “وقف فاطمة”، للناسخ سعيد بن ناصر بن خلف المعولي، يعود لـ (4 يونيو 1847م) (سلطنة عُمان وزنجبار)، وكتاب “قاموس الشريعة” المؤلف من (90) مجلدًا يعود للفترة 1297هـ/1880م (سلطنة عُمان زنجبار)، وهو أكبر موسوعة في الفقه الإباضي وكان أول إصدار للمطبعة السلطانية في زنجبار.
ويضم المعرض سيف كتارة منحنية يعود إلى دولة البوسعيد ما بين القرنين (11 – 13هـ/17 – 19م)، ويُعتقد أن هذه الكتارة ذات النصل القوقازي القصير والمستوردة من الإمبراطورية الروسية كانت تستخدم للمبارزة على متن واحدة من أساطيل الإمبراطورية العُمانية خلال تلك الفترة، إلى جانب خنجر سعيدي ملك للسلطان حمود بن محمد البوسعيدي يعود للقرن 14 هـ/أواخر القرن 19م (سلطنة عُمان وزنجبار).
ويتضمن المعرض أيضًا كرسيًّا يعود إلى القرن 12هـ/18م (سلطنة عُمان وزنجبار) مُعارًا من أسرة الشيخ السير مبارك بن علي الهناوي، إضافة إلى مجموعة من الحلي والأزياء التي تُنسب إلى السيدة سالمة بنت سعيد البوسعيدية التي عاشت في الفترة ما بين (١٢٦٠–١٣٤٢هـ/١٨٤٤–١٩٢٤م)، وقد انفرد السيدة سالمة بكتابتها لسيرتها الذاتية البارزة باللغة الألمانية، بعنوان “مذكرات أميرة عربية من زنجبار”؛ كأول سيرة لامرأة عربية في التاريخ، وتقدم مذكرات السيدة سالمة مع المقتنيات المعروضة لمحةً مدهشة عن الحياة في البلاط السلطاني في القرن (١٣هـ/١٩م)، وتشهد على جودة وتنوع الأزياء والحلي التي كانت ترتديها نساء البلاط.
حضر حفل الافتتاح الأستاذ الدكتور ميخائيل بيتروفسكي، مدير عام متحف الإرميتاج الحكومي وعضو مجلس أمناء المتحف الوطني، وعدد من المسؤولين والمهتمين بالمجال الثقافي.
جدير بالذكر أن التعاون بين المتحف الوطني ومتحف الإرميتاج الحكومي بروسيا الاتحادية بدأ في عام (2014م)، وتم التوقيع في عام (2015م) على مذكرة تفاهم في المجالات الثقافية والمتحفية بين الجانبين، وفي عام (2018م)، تم إطلاق مبادرة (يوم عُمان) في روسيا بالتعاون بين المتحف الوطني وبمشاركة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ووزارة التراث والثقافة (حينئذ)، ليكون متحف الإرميتاج الحكومي أول محطة لهذه المبادرة الدولية، فيما تم عام (2019) استضافة مبادرة ومعرض (يوم الإرميتاج) في المتحف الوطني لتكون أول محطة عالمية لهذه المبادرة.
ويعد متحف الإرميتاج الحكومي في مدينة سانت بطرسبرغ بروسيا الاتحادية، واحدًا من أكبر المتاحف على مستوى العالم؛ فهو يحوي أكثر من ثلاثة ملايين تحفة فنية، وتأسس في عام (١٧٦٤م) وهو أيضا واحد من أقدم المتاحف في العالم، ويمتلك المتحف فروعًا دولية له في مدينتي أمستردام وفيرارا، كما يعد من أهم المعالم السياحية في روسيا.
ويتميّز متحف الإرميتاج بضخامة مبانيه العشرة؛ إذ يعد قصر الشتاء والمباني التاريخية الأخرى التابعة للمتحف صروحًا تاريخية بحد ذاتها، وتتضمن مقتنيات المتحف أعمالًا فنية من شرق أوروبا، وروسيا، وحضارات الإغريق والرومان، وحضارات الشرق الأدنى والأقصى، وحضارات وسط آسيا، كما تتضمن مجموعة العملات نماذج منذ العصور القديمة وحتى العصور الحديثة، إضافة إلى وجود أسلحة من غرب أوروبا، والشرق الأوسط، وروسيا، والعديد من اللقى الأثرية.
ويزور المتحف سنويًّا نحو (٥.٣) ملايين زائر، وتحتوي مبانيه على أكثر من (٥٠٠) قاعة تعرض فيها أكثر من (١٧) ألف لوحة فنية، و(١٢) ألف تمثال، وأكثر من مليون قطعة من المسكوكات والميداليات القديمة، وأكثر من (٨٠٠) ألف من اللقى الأثرية، وحوالي (٣٦٠) ألف من الفنون التطبيقية، وأكثر من (٦٠٠) ألف من أعمال فن الغرافيك.