سلطنة عُمان تحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد المجيد
Adsense
مقالات صحفية

المصداقية على المحك

صالح بن خليفة القرني

إن الصدق فضيلة خلقية تعتمد نقل الأحداث كما هي على الواقع، أما المصداقية فأعم وأشمل إذ تتضمن الصدق والأمانة ومطابقة الأقوال للأفعال، ونقل الصورة كاملة دون إخفاء الحقائق.

تابعت قبل فترة قريبة مقطع فيديو لاجتماع بعض مشاهير التواصل الاجتماعي في سلطنة عُمان، وقد أطلق عليه “الملتقى الأولى لصنّاع المحتوى بسلطنة عُمان” والواقع أن فيهم من يبثون رسائل إيجابية ويصنعون مادة تستحق إن يقال عنها محتوى؛ وتعزيزًا لقيمة ونشر الفضيلة وتمرير رسائل توعوية بقالب عفوي كوميدي لاقى الكثير من استحسان الناس بدليل زيادة متابعيهم.

لست ممن يسعى لمتابعة مشاهير التواصل الاجتماعي، والحاجة للتقدير والتي جاءت في هرم ماسلو للحاجات تحركني كما تحركهم، وأنا اليوم لا أمدحهم ولا أبرر سعيهم للشهرة وزيادة المتابعين؛ فالأمر مشروع وبالتأكيد أنا أبسط من أقدح فيهم إلا أنني أردت تسجيل موقف ربما سيكون محتوى وسأكون من صنّاعه، ربما من يدري؟

أذكر منذ فترة طويلة أنني كنت في أحد المراكز التجارية بمحافظة مسقط فلم انتبه إلا على ركض أبنائي بطريقة جنونية ومعهم عدد آخر من الأطفال باتجاه أحد مشاهير الانستجرام للتصوير معه وكنت حينها لا أعرفه، فأخبروني أنه شخصية مشهورة وله مقالب مضحكة وعدد كبير من المتابعين.

إن على المؤثرين -كما يسمون أنفسهم- مسؤولية كبيرة؛ فهم مطالبون أكثر من غيرهم بتمثّل قِيَم المواطنة من حرية ومساواة ومسؤولية اجتماعية ومشاركة اجتماعية واقتصادية وسياسية، فلا يكتفون بالترويج للمنتجات الاستهلاكية وللمطاعم والكافيهات. فعليهم وأعنى الجميع أن يتبنوا القضايا العامة، وأن يعتمدوا الأمانة والصدق معايير أخلاقية، وإلا فقدوا مصداقيتهم.

تنزعج كثيراً حينما تهرع لإعلان تجاري وتجده مخالفاً للواقع. فقد زرت أحد المحلات التجارية لأشتري منتجاً بعد أن وصلني إعلان ترويجي له، وهو عبارة عن مقطع فيديو لمشهور يرّوج له، وأن لديه تخفيض بنسبة ٥٠٪؜، فذهبت وأنا أعرف قيمة المنتج قبل التخفيض، وفوجدته أغلى عن سعره السابق، وحتى بعد التخفيض! فقد وُضِع له سعر مضاعف وتم التخفيض، ولكن لسعر أعلى من السابق.

كما أنني دخلت محلاً للعطور روّج له أحد المشاهير أيضاً، ووجدته يعجّ بالزبائن، وكنت أعرف أسعار أكثر من ٣ عطور، وحينما سألت البائع عن ما أعرفه من عطور قال: هذه “الماركات” ليس عليها تخفيض، فسألت أحد زبائن المحل عن رأيه في أسعار عطور أخرى لم أكن أعرفها ويشملها العرض فقال: “أسعارهم ممتازة وبنصف السعر”، فقلت له: “هل تعرف سعرها قبل التخفيض؟”، فأجاب بأنه لا يعرف ولكنه يثق في مصداقية المشهور الذي قبض ثمن إعلانه وولى ولم يعقب.

إن على المشهور قبل الترويج لأي منتج أن يطّلع على أحكام اللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك، وخاصة المادتين (٣٥ و٣٦) المعدلتين حتى لا يقع في حرج مع المتابعين، وعلى المتابع لهذا المشهور أن يعي حقوقه، فلا يدفعه أحدهم للشراء العاطفي وحمى الاستهلاك التي تدعوه لاقتناء ما لا يريد.

أتمنى من كل قلبي أن نعتمد التفكير الناقد والشك الذي انتهجه ديكارت في القرن ١٧ م وقبله الجاحظ بثمانية قرون، لنتبين صدق ما يصلنا من إعلانات وواقعيتها، فصدقوني المصداقية على المحك.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights