الخطر في زوال غزة
عبدالله بن حمدان الفارسي
ماذا تعني فلسطين؟ وما مكوناتها الجيولوجية والطبغرافية؟ وما أهميتها الجغرافية لتكون بهذا القدر من الاهتمام العالمي بها؟ وما المقومات العالية والفريدة التي تمتاز بها عن غيرها من أقطار الوطن العربي والشرق الأوسط؟ علمًا، وكما هو متفق عليه بأن الغرب لا يهرول عبثًا في الأوطان إلا لأهمية ثرواته ومقتنياته المادية، على خلاف فلسطين التي لا تمتلك كغيرها من الأقطار.
إذاً ما الدوافع لتكون القبلة الأولى للكيانات غير المسلمة بمختلف انتماءاتها؟ وإن كانت تلك الانتماءات والتحزبات على اختلاف وخلاف مع الآخر، وبرغم من تلك الفوارق المتباينة، إلا أن ما يجمع بينهم شعور سوداوي، وحقد سرمدي تجاه الإسلام ورسالته النورانية، لكافة الأجناس البشرية والأطياف؛ ليجعل منهم أمة متوحدة غايتها القضاء على الإسلام، ومن خلال هذه الديباجة يتضح لنا ولهم -أعداء الاسلام- بأن القضية قضية وجود لا حدود، وصراع بين الحق والباطل، وعلاوة على ذلك هو تجسيد فكر، وترسيخ قيم ومبادئ بين الجانبين، وهذا الصراع معهم ليس وليد اليوم بل هو عراك جسدي وفكري أزلي؛ لاستعادة أنفاق الظلام والظلال من جانبهم؛ ولأجل ذلك نرى توحدهم للعودة لتلك الأنفاق النتنة، وسلب ما بها – فلسطين- من مقدسات دينية ذات أهمية قصوى للمسلمين.
بهذه الثوابت أخبرنا رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- وما حواه ديننا الحنيف بأن لا دين سواه – الإسلام – وماعدا ذلك هي رسالات سماوية، وبمجرد ظهور الإسلام والرسالة المحمدية توجب على تلك الانتماءات التلاشي، والانغماس في كينونة الدين الإسلامي، وإن الامتناع والتخاذل، ورفض الوقوف مع القضية الفلسطينية، وعدم مساندتها وتأييد المقاومة ونصرتها هو جرم لن يغفره التاريخ لمن أبى وتخلى، وإن ضياع الشرف بالإرادة الذاتية والخنوع لهو معيار للنفس الذليلة، بانغماسها عمدا في وحل النذالة، فكيف للمسلمين استرداد ما سُلِبَ منهم من حق شرعي إلا بنفس الطريقة؟! فما سلب بالقوة يسترجع بالقوة، ولا هوادة في ذلك، وكيف للمسلمين والعرب –خاصة- السعي عمدًا للتطبيع مع الكيان الصهيوني والافتخار علنا بذلك؟! والتقرب والتذلل لأعداء الإسلام علمًا بأن هذا العدو الغاشم كثيرا ما نشاهده ونسمعه، وهو يتمايل فخرًا في تصريحاته المسممة وهو يوجه قذائفه الكلامية قبل قذائفه النارية لكل من طبع معه، وإهانتهم بأبشع الألفاظ دون اعتبار لمكانتهم بين شعوبهم، ودون مراعاة لشعورهم؛ مما يجعلهم من الذين ينطبق عليهم بيت الشعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا…
ولكن لا حياة لمن تنادي
وهكذا ، فقد استفحلت النذالة فيهم!
إن تجاوز غزة من العدو الصهيوني، أو أية قوى معادية للإسلام، وانهيارها – غزة – بمثابة موت سريع للأمة الإسلامية، وبالذات الكيانات العربية، ولن يتبقى شيء بعد ذلك نتغنى به ونفتخر بالانتماء إليه، وإن تكاتف القوى العالمية غير المسلمة وتكالبها بمختلف توجهاتها الهدف منه القضاء على الإسلام قبل المسلمين، لأن الإسلام هو المرتكز السامي والحقيقي لذات المسلمين، ولمن يرغب الولوج إليه والانتماء له، والمسلمون دون إسلام لا أهمية لهم بعد اندثار عقيدتهم وضياعها، وهذا طبعًا في نظر أعداء العقيدة والمعتقد، ولكن ذلك لن يكون إلا في أحلامهم؛ لأن للإسلام رب عظيم وهو من (صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده)، والأمة الإسلامية باقية إلى ما شاء الله. ويقول تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9]. هذا دليل بيّن على أن الإسلام باقٍ ببقاء القرآن، ولكن هذا لا يعني أن نتهاون في نصرة عقيدتنا وقضيتنا، وأن نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (…فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) [المائدة:24]. فالمسألة تحتاج منا عزيمة وصدق سريرة، والتوكل على الله للذود عن الإسلام ومقدساته، ونقول كما قال المقداد بن عمرو لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون”.
هذه القوى العالمية التي نشاهدها بكل ما توشحت به من سلاح، وما تحصنت به من جدر واهية فهي حق خاوية، وواهنة، ومرتعدة فرائصها من ثلة قليلة العدد والعتاد، ولكن يقينها بأن الله معها، وهو ناصرها لا محالة. يقول تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ…) [آل عمران: 160].
فبهذا الإيمان سيكون النصر حليف إخواننا في غزة العزة، ونحن معهم بنصرتهم بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى(النصرة)، فمن الواضح جليًا بأن أعداء الإسلام، ومعهم من طبّع من المسلمين قد استشعروا مدى خطورة الوضع عليهم، وكيف أن أرض الباطل بدأت تتشقق تحت أقدام طغاتهم بطغيانهم، وأن سماء الحق تنهمر عليهم بوابل السعير على رؤوسهم.
إن اعتقاد بعض المطبلين والمطبعين بأن هذه الدول بعظمتها وشموخها، وبكل ما لديها من عتاد باقية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، ومن غير الممكن إزالتها وزحزحتها من الوجود وهزيمتها بإعداد قليلة متناسين ومتجاهلين قوله تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).[البقرة:249]. بهذه الآية يجب أن يكون يقيننا مخالفا لظنهم، ألم يكن واضح أن أهل غزة يقولون على رؤوس شهدائهم: “الحمد لله”، وهم بعويلهم على جثث موتاهم يبكون بكاءً تنشق منه الصدور وتنهد له الأجساد؛ فإن العزة لغزة، والنصر آت لا محالة لأهل القرآن والسنة.
إن الشجر لا يموت إلا واقفا، والشهيد لا يلقى ربه إلا مستبشرا برضاه، وبصحبة رسوله الكريم .
نصركم الله أيها الإخوة المجاهدون المرابطون في سبيل الله، لكم السمو والعزة والرفعة، وسدد رميكم، وثبت أقدامكم، وما النصر إلا صبر ساعة، وصدق الذي لا ينطق عن الهوى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر والشجر : يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) متفق عليه.
أخيرًا وليس آخرا، وبقدر ما هو مهم فهو الأهم من الناحية الدينية، إنه المسجد الأقصى يا أمة محمد هو أولى القبلتين في الإسلام، فقد كان وجهة المسلمين طوال فترة الدعوة المكية، إضافة إلى 17 شهرا بعد الهجرة، أي قبل التحول لشطر المسجد الحرام، وتأتي أهميته كونه ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: «لاَ تُشَد الرحَالُ إِلا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذَا، وَالمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى». أخرجه مسلم والبخاري.