الدماء الكاتبة
وداد بنت عبدالله الجابرية
هل انتهت مجزرة قتل الأبرياء؟ أما أنها ستستمر إلى أن تقتل الجميع؟
فدماء الفلسطينيون أصبحت رواية كل كاتب، وحديث المشايخ وعبرة لمن يعتبر.
بينما كان هنا بحيرة المياة النقية الصافية ،والمباني الشاهقة ،فإذا بها بلمحةِ كالبصر أصبحت بحيرة دماء لذلك المصاص اللئيم ، وتلك المباني الشامخة أصبحت دماراً في دمار، حتى تذكرتُ قصةُ من قصص والدتي التي روتها لي قبل النوم ” عن نبي الله عزيز لما نظر إلى قرية وهي خاوية، انتابه اليأس حتى رأى بأم عينه قدرة الرحمن الرحيم.
فهنا تكتب لنا دماء الأبرياء، لتكون لنا عبرة ودرسًا طوال حياتنا، لا أخاطبكم عن اليقين بالله فقط، وإنما أخاطبكم عن العزيز الكريم الذي تركع وتسجد له. إن الرحمن الرحيم فتح لنا تلك الأبواب رغم أن نبات اليأس ينبت ويمد جذورة في أعماق القلب، ولكن من همسة لذكرِ أو صدفة ستقتلع تلك الجذور التي سقاها الشيطان بماء وسوسته.
قبل أن يهدر دمي سأخبركم بقصتي، طفلة بعمر الزهور لم أتجاوز الخامسة عشر من عمري، بينما كنتُ أجري خلف أحلامي وتحقيق أهدافي، كنتُ على علاقة وطيدة بربي، أحببتُ خالقي كثيراً ، فكل يوم أخصص وقتًا لأحدثه عن ما يدور بخاطري، رغم أني لا أراه ولا أسمعه ،إلا أنه ينظر إلي ويستمع لي، وأخذت هذا الدليل من كتابة العزيز ” { قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ }
[ سورة طه : 46 [“.
أنهيتُ من حديثي وخلدتُ إلى النوم ، نمت لأستيقظ على صرخات وأصوات مخيفة ،كنت أظن أنه كابوس رأيته ،لكن فاجئني دخول والديَّ ليحملاني ويضمماني في أحضانهم مع إخوتي، ابتسمت لهم رغم أني لا أعلم سبب احتضانهم لي، فنظرتُ إلى عيونهم وقرأت بأن هناك خطرِ يجتاحنا؛ فنظرتُ في عيونهم ووجدتُ مكانًا للرعب والخوف، نطق لساني قائلاً: لن نموت أبداً ، فعندما ستنفصل الروح عن الجسد، فأننا نعلوا ونرتقي للمكان الذي لا يؤمن به الكافر ، فقد أخبرتموني بأننا سنعيش في مكان آخر، مكان يحلم به ذلك الصهيوني، تمعنوا كيف يكون ذلك اللؤلؤ منتشرًا ورائحة الزعفران والمسك، فهناك المشتهي يأتي بلمح البصر،كما حصل الآن معنا، فهناك من يتمنى شربة من خير الأنام، قبل رحيل صديقتي هي أخبرتني بأني سأشرب من يد الحبيب ، وأخبرتني أيضًا، أن أرواحنا ملكُ لله فنحن قدمنا إلى هذه الحياة لنكون قصة وعبرة لمن حولنا، فنحن الفائزون دائمًا”
مرت دقائق حتى تعالت تلك الصرخات، وتشتد قبضة والدي حتى استمعت إلى تلك الكلمات من أبي وبطلي ، “سأخرج أنا لأنضم إلى رفاقي ونتخلص من هذا العدو ، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه”
أنتابني شيء من القلق والخوف، ولكن صورة منزلي بالجنة والأنهار وذكر الرحمن أزاحت كل هذا، لا أعلم إن كانت هذه آخر مرة أرى فيها أبي ،أم سيكون هناك لقاء وعودة أخرى؟ !
لم أصرخ ولم أبكِ مثلما فعلوا إخوتي ، ولكن أستودعته الرحمن الرحيم.
خرج والدي وما زال الصراخ يتعالى أكثر ،حتى تلك الأصوات التي أسمعها لأول مرة، تقترب أكثر وأكثر ليصبح ذلك صوت قوي جداُ، حتى شعرتُ برعب، فقد أكملتُ ذكر ربي .
لأول مرة أنظر إلى الأمطار التي تمطر بالحجارة وهي تضرب في كل مكان، حتى أسرعت بي أمي لنختبىء أسفل الطاولة، كنتُ أتحدث بكل براءة،” أماه: ماذا يحدث، كل شيء أراه لأول مرة”
متى سينتهي هذا الكابوس فأنا أريد أن أخرج للعب مع أصدقائي، وأريد أن أذهب إلى المدسة لأكمل دراستي وأصبح دكتورة ……… ليبارك لي أقاربي، ولأرفع رأسكِ ورأس أبي لأكون فخراً لكم.
ولكن جواب أمي كانت دموع صامتة مع آيات مرتلة بصوت جميل.
مرت تلك ليلة بمرارتها حتى تمكنت أمي من إنقاذنا جميعًا، ومع مرور الأيام ألتقيتُ بأبي وهو بصحة والعافية، “أستودعك الله” هي من حفظتنا جميعًا، اجتمعنا مرة أخرى، لتغتالنا تلك الهجمات ولتصبح حياتي عبرة لكم.
قبل رحيلي، أقول لك كن مع الله، أحفظ الله.
ماتت أحلامي وأهدافي، ماتت طفولتي وبرائتي، متُ شهيداً لألتحق بروح صديقتي، صحيح بأني لم أذكر لكم عن رفيقتي شيء، ولكن يكفيني أننا سعينا معنً، يكفي أننا نتشارك لبناء منازل في الجنة وزرع النخيل ،والكثير الكثير من الأشياء التي سعينا فيها من أجل الفردوس .
جعلنا الله لنكون لكم عبرة.