إنَّ أُمِّي صَقَلَتْنِي وأَعَدَّتْنِي فِرِنْدا
مَيَّاء بنت سعيد الصوَّافية
المرأة الفلسطينية هي تلك الحياة التي تُبهج نفوسنا كلما نظرنا إليها، وأكبرنا تضحياتها، وإننا لنشعر معها بأنها الإنسانة العظيمة التي حملتْ للدنيا القوة والصمود مع الحنان والحب والإشراق، وأنها الأم التي أرضعت البطولة لأولادها؛ وفطمتهم على حبّ الأرض والمقدسات؛ فخرجت من بين يديها أجيالاً تسير نحو قمم المجد شامخةً بعزة دينها، تقودها تربية تلك الأم المجاهدة الصابرة التي أخذتْ زمام تربيتها من معاني الأرض والوطن، وصاغتها من مَعين الشرف والدِّين والصواب، وإنها لتتقاسم مع الشمس والأرض أمومة الحياة؛ فكل بيتٍ تسكنه امرأةٌ فلسطينية هو بيت تحتويه الألفة، ويُشرق الأمل من نوافذه، وما هو إلا مصنعٌ للأبطال.
إن المرأة الفلسطينية تلبس قلادة العزة والشموخ، وتسير في درب الحق الموروث، متضوعة بأصالة جذرها، ونبض دمها الذي يحيا مع الأرض، وما زال يحيا فيها، وإنها لتقف صامدةً تحامي عن حصون وطنها بنبل أخلاقها، وعزيمة إرثها، وعمق تضحياتها.
إن المرأة الفلسطينية إما أن تكون أرملة تولّت، وتتولى تربية أبنائها بعينيها الحارستين، وقلبها الذي يتناهى في الرحمة والحبّ للأرض والولد، وإمّا أختاً تقف شامخةً بعزة وطنها، وحق هويتها، تساند أخاها الرجل بشكيمة حكمتها، ورباطة جأشها، وإما ابنةً تسير على خطى أمهاتها شرفاً، وتمسكاً بالأرض، تُحامي عن أصولها بعزة هويتها بجسارةٍ وإقدام.
وما مَسعى الأمّ الفلسطينية إلا كمسعى السيدة هاجر عندما أيقنتْ بأن الأمر – الذي يعيشون فيه – هو من الله والنجاة منه سبحانه، وما وطنها إلا أرضاً لمعاني آيات عظيمة، وأسواراً من صبر، منيعة كأسوار عكا العظيمة، وفي آمالها، ويقينها بالله كزهر البرتقال، وعطر الياسمين، وغصن الزيتون الأخضر.
إنها المرأة الفلسطينية التي تُعِدُّ مفاتيح العودة في أوطان المهجر، وتعلّم أبناءها معنى فلسطين، ومعنى العودة إليها، و تربيهم على أن أرض فلسطين هي أرض دم الأجداد، والدم المسفوك؛ فيتعلمون منها في مخيمات الغربة بأن أمل العودة قادم كنورٍ خلف دياجي الظلام، حتى وإن ارتعشت الأجساد برجفة الظلم، واكتوَت بنار السلب والنهب.
إن المرأة الفلسطينية هي تلك اليد التي تغرس في الأرض البذور، وترويها بماء التضحية والإباء، وتحملها الأيام لتكون حصاداً يانعة قطوفه.
وما زالت تثبت للعالم عبر مسيرتها الفاعلة بأنها أهل لتكريم الإسلام لها، وأنها قادرة على القيام بأي مسؤولية مناطة على كاهلها.
وقد سنّ الإسلام للمرأة عامّة، وللمرأة الصابرة بتضحيّاتها من الحقوق كثيرها، ومن الأجور عظيمها، مما يجعلها تعتز بكونها مسلمة نبتت ونشأت في أرض الجهاد، ترتدي ثوب هويتها بكل فخر، وإنْ تجاذبتها المحن التي تنوي أن تسحبها من أصالة مهدها، وقيَم عزّتها، وإن حملوا أبناءها شهداء، وامتلأت بهم المعتقلات، فإنها لتطلق زغاريد الفرحة؛ لأنها قدّمت لمسرى الرسول (صلى الله عليه وسلم) الواجب والتضحية؛ ولحقت بركب من ينالهم خير الشهادة.
وإنها في دفاعها عن أرضها أشبه بشهاب تساقط كالبرق لا يثنيها خوف، ولا تمنعها تضحية، سائرةً بعزم اليقين بأن الأجر مُدّخر ومبارَك من الله (عز وجل)؛ فكانت أول بدايات التحرك الوطني لها في عام ١٩٢٥ للميلاد احتجاجاً على زيارة وزير الخارجية البريطاني آنذاك “بلفور” للقدس.
إن الشدة – كما يقولون – تصنع البطولات، وتقدم التضحيات؛ فحبذا أنتِ أيتها المرأة الفلسطينية الصابرة الصانعة للبطولات، والمقدمة للتضحيات، وإن عون الله – تعالى- مؤيدكِ وناصركِ وأنتِ تغلفين حياتك بحجاب الدين، والتمسك بمبدأ حق الأرض المسلوبة هوية وعزة، وتمدين فكركِ لكل صائب وثمين يدعو له الدين، ويحتاجه الوطن، وتناديه الشدة، وأكرمْ بكِ وأنتِ تشاركين أخاك الرجل جهاداً مستميتاً في المطالبة بالحق المسلوب.
الفِرِنْدُ : السَّيْفُ