منصة إلكترونية للدراما العمانية
سالمة هلال الراسبية
باحثة في الشؤون التربوية -جنوب الشرقية-
إن التأكيد السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- على أهمية الارتقاء بقطاع الإعلام، ووضع الخطط الفاعلة لتعزيز الاستفادة من هذه التطورات؛ في تحقيق الأهداف الوطنية للإعلام العُماني، وذلك تماشياً مع ما يشهده قطاع الإعلام من تطورات متسارعة على جميع الأصعدة، لا سيما التطورات المتعلقة بمنصات الإعلام الحديث وأدواته المختلفة سيحقق أهداف رؤية 2040.
وتُعدّ العروض المسرحية والمسلسلات الدرامية والأفلام السينمائية من أبرز المجالات الثقافية انتشاراً في العالم، خاصةً مع دخولها إلى كل البيوت عبر شاشات التلفزيون والحاسوب، ومؤخراً عبر تطبيقات الهواتف الذكية.
ورغم أن صناعة الدراما في سلطنة عُمان جاءت متأخرة في عام 1976م مقارنة بدول عربية وخليجية أخرى، إلا أن العُمانيين أولَوها اهتماماً خاصاً جعلها ذات حضور واسع محلياً، وحاضرة كذلك في أذهان الشعوب الخليجية المجاورة، في ظل ثقافات متشابهة ولهجات قريبة، إلا أنها ما زالت خارج السباق العربي الواسع الذي يحظى بدعم مالي هائل من قبل شركات خاصة تخصص لأعمال الدراما أرقاماً هائلة (صحيفة الخليج اونلاين).
وفي مطلع التسعينات من القرن الماضي تابعنا مسلسلات على سبيل المثال-لا الحصر- وهي من أقوى المسلسلات التي تركت علامة فارقة في عقلية العمانيين إلى يومنا هذا.
على ضوء اللقاء الصحفي مع سعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة، في إحدى وسائل الإعلام المقروءة (إن المثقف العماني هو امتداد لروّاد الحضارة والثقافة والأدب والمعرفة من أسلافه العمانيين على مرّ العصور، وهذا هو موقع الأدب العمانيّ الذي احتلّ الصدارة دوماً، وفي هذا العصر، استطاع المبدع العماني أن يضع بصمته على المشهد الثقافي الإقليمي والدولي في شتّى المجالات.
وأضاف سعادته (هناك نجاحات مهمة للرواية العمانية تمثلت في تجارب واضحة مثل الدكتورة جوخة الحارثية الفائزة بجائزة البوكر العالمية، وزهران القاسمي الفائز بالبوكر في نسختها العربية، بالإضافة إلى الدكتور محمد اليحيائي، الذي فاز مؤخراً بجائزة كتارا للرواية المنشورة).
وهنا نقطة استوقفتني في اللقاء، وهو إشادة سعادته بالرواية العمانية وكيف وصلت إلى مستويات عالمية من الجوائز، ولكن أين تلفزيون سلطنة عمان من هذا النجاح؟ ولماذا لا يتم تحويل الروايات إلى مسلسلات مثلما نرى في كثير من الدول؟
وأين هو موقع الدراما العمانية وسط هذا الزخم الكبير في المسلسلات التي وضعت الكثير من قضايا المجتمع في طاولة النقاش؟
تابعتُ لقاءً للأستاذ القدير والخبير الدرامي أمين عبداللطيف في إحدى وسائل الإعلام يتحدث فيه عن وضع الدراما العمانية، وأعرب عن تفاجئه عند عودته إلى التلفزيون قائلاً: «فوجئتُ بكمٍّ هائلٍ من النصوص، ولكُتّاب عمانيين كان من الممكن أن تخرج من نصوصهم مسلسلات جيدة، لكن أغلبها أُهمِلت، وتُركت في الرفوف، وتأكدتُ أنّ الكُتّاب الذين كتبوا هذه النصوص يرفضون المراجعة أو تعديل النصوص خاصتهم. هناك أشخاص ذوو خبرات سابقة ولهم رؤية، والمفروض أن يُسمع رأيهم فيما يخصّ المراجعات والتعديلات. وقد قمتُ باجتماعات في الوزارة مع كُتّاب، ولم أجد ذلك التجاوب).
ومن جهة أخرى، يرى بعض الإعلاميين والفنانيين والمخرجين أن هنالك عدد كبير من النصوص الدرامية كُتبت وتم وضعها على طاولة النقاش، إلا أن النصوص تم رفضها، والبعض منها بانتظار رأي اللجنة منذ سنوات وأشهر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر (معرابا للكاتب محمد عامر، والمخلب للفنان محمد خميس، ونصّ جروب الرحلات وهو مسلسل كوميدي من تأليفه أيضاً، ونصّ وصية عزيز للكاتبة سالمه هلال-كاتبة المقال) وغيرها من النصوص، البعض منها تراثيّ تراجيديّ، والبعض مستلهَم من رواية)، والأهم من الرد هو المبررات ومعايير التقييم أو الضوابط التي تم على إثرها الرد، وقد أصيب الكثيرين بالإحباط الشديد لعدم إطلاعهم على آليات التقييم المتبعة، والتي تساهم لاحقاً في تقويم العمل الدرامي الكتابي.
فهل بعد كل ما ذُكر سنجد الجديد في رمضان هذا العام؟
إن تجربة دمج الأعمال الدرامية مع التقنيات الذكية وعرضها كمحتوى فيديو عبر منصات إلكترونية في وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الذكية كاليوتيوب في منطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال (شاهد، سينموز، أي سي فليكس، بلايكو، تيلي) وهي منصات تقدم المحتوى المرئي والمسموع برسوم رمزية قد لا تتجاوز ال 7 دولار شهرياً، كما أن البعض بدأ عرض تجربته مجاناً.
أثبتت الدراسات والبحوث أنها ذات جدوى كبيرة على الثقافة والاقتصاد وترويج السياحة والاستثمار.
حيث كشفت مجلة العربية لبحوث الإعلام والاتصال في دراسة تأثير المستخدم الصيني بالعلامة التجارية أن المستهلكون الشباب يشاهدون الأعمال الدرامية عبر منصات الإنترنت، ويتأثرون بتعرضهم للعلامة التجارية داخل المحتوى الدرامي، ويتجلى ذلك نحو اتجاههم للإنفاق لشراء العلامة التجارية.
كما وذكرت المجلة أنه بالاعتماد على نظرية (الغرس الثقافي) أكدت أن تطرّق الدراما لقضايا الأسرة يحلّ الكثير من المشكلات، ويغرس القيَم ويعزز الاتجاهات الصحيحة نحو الأسرة والمجتمع.
وهنا يجدر بنا أن نتساءل:
هل نستطيع تقديم منصة إلكترونية بمقومات عالمية وضوابط مجتمعية، تحوّل نصوص الكُتّاب والروائيين العمانيين إلى محتوى فيديو درامي ومن ثم تنطلق إلى العالم؟
هل يمكننا تشجيع المستهلك على اقتناء العلامة التجارية الوطنية وتعزيز السياحة والاستثمار كما هي في تجربة الدراما التركية؟
إن عمان بقيادة مولانا السلطان هيثم حفظه الله ورعاه، وبتوجيهاته السامية، سنكون في مقدمة الدول التي تعيد للدراما العمانية مكانتها، بل وتزاحم المنصات في عرض المكنون الثقافي والاجتماعي والقيَمي، ناهيك عن وجود نخبة من الفنانين الشباب احتضنتهم ساحات المسارح، وحصدوا جوائز محلية ودولية، واحتضنوا حلمهم بالفوز، وكذلك هو الحال في المثقفين والكُتّاب العمانين الذين يُشار إليهم بالبَنان.
إن آمالنا معقودة على مولاي وسيدي وليّ العهد السيد ذي اليزن وزير الثقافة والرياضة والشباب، للمساهمة في دعم مقترح تدشين منصة ذكية للدراما العمانية، تنطلق من عمان إلى العالم، فالمواطن العربي متعطش لمشاهدة إنتاجات درامية وأفلام سينمائية محلية مستلهمة من روايات ونصوص الكُتّاب العمانيين، تحكي قيَمنا وتعكس عاداتنا وتقاليدنا المتينة التي تربّى عليها العمانيون، وتاريخ عمان العظيم بتراثه وحكاياته، وهو بلا شكّ محرّكٌ قويّ للكُتّاب والروائيين العمانيين، ويحصد العرض الدرامي على المنصة، رواجاً كبيراً بين شرائح العالم العربي والخليجي خاصة، فالأذواق تتعدد وتتنوع بين تراجيديّ وكوميديّ واجتماعيّ هادفٍ وغيرها، وعلى إثر هذا الاختلاف يكون التنوّع في الأعمال المقدمة.
ودعواتنا لمولانا ولي العهد ووزير الثقافة والرياضة والشباب تمام الصحة والعافية والتوفيق.