قرية جماء، طبيعة خلابة تعشقها العيون
درويش بن سالم الكيومي
(جماء) لقبٌ مميّز لا يتكرر في باقي الأماكن، يشير إلى الجملة والجماعة، اسمٌ يحمل الكثير من المعاني، فهو اسمٌ جميل ولطيف في الكتابة والّلفظ والنطق، ولا يمكن أن نستغني عنه أبداً لأنه هو شريان الحياة، يروي عطش الإنسان والحيوان والطير والنبات وغيرهم من الكائنات الحية، ويُطلق على اسمها أيضا الجمّ، وجمّة بمعنى بئر الماء العميق، الذي لا ينقص ماؤه وإن أُخِذ منه للاستعمال. ويقال في الجمع جاؤا في جمّة، أي في جماعة يطلبون شيئاً، ومعنىً آخَر يدلّ على الكثرة ويوحي بالكرم والجود والزيادة.
وجماء هي من نتحدث عنها في هذه الجولة السياحية تقع في الجزء الشمالي من عمان، قال تعالى “ويحبون المال حُبّاً جمّاً” أي كثيراً، الآية رقم (19) من سورة الفجر.
فهي إحدى قرى محافظة جنوب الباطنة، تبعد عن مركز الولاية (30) كيلو متراً، وأقرب الطرق للوصول إليها هو الشارع العام القادم من الملذة بولاية المصنعة إلى دوّار الحزم، والانعطاف إلى جهة الشرق، ويمكن الوصول إليها بسهولة ويسر بواسطة طريقها المعبّدة، ويُعتبر الأقرب مسافة (9) كيلو مترات، وأيضاً من الطريق السريعة. وكذلك يربط القرية طريق أخرى قادمة من منطقة الطريف بولاية المصنعة لمن أراد الاختصار للوصول إليها مباشرةً، وتمتاز قرية جماء مثل غيرها من القرى السياحية والأثرية بمدينة الرستاق، وعندما تصل إلى القرية فسوف ترى بأنها فعلاً لها طابَع مميز في البناء المعماري القديم والحديث، الذي يُلفت الأنظار، فهو فريد من نوعه على مستوى القرى الحديثة، هذه هي جماء الرستاق تنقسم إلى عدة حلل سكنية سُمّيَت بعضها باسم القرية جماء الشرقية وجماء الغربية، البويرد، والرفقة، عقدة ميالية، الحضبان، الساقي، المغدر، مرباط الخيل، حلة الحجرة التي تقع على سفح الجبل وغيرها من المسميات المحلية، كذلك توجد في القرية الحصون المنيعة، وأبراجاً كانت تستخدم في حماية القرية من جهة الشرق وجهة الغرب، ويعود تاريخها إلى عهد الفُرس، ومن يزور جماء سوف يرى الحصن الشرقي وجداره الخارجيّ، وأمّا الحصن الغربي فيتمتع بسورٍ دائريّ يحيط به من الجهات الأربع، وما يزال يقاوم عوامل الطقس حتى الآن، ويمكن مشاهدة سوره من بعيد، فهو يلفت انتباه كل من وصل إلى جماء الشهيرة. ومن القرى السياحية التي تحيط بالقرية:
المنصور، الغيل، الحزم، الشبيكة، موريا وهو اسم عجيب، لا أحد يتوقعه، وتلك قرية توجد بها بئر ماء قديمة، كان يعتمد عليه الأهالي في سقي المزروعات والمواشي والإبل، وما تزال البئر موجودة حتى الآن، ولكنها مهجورة ولا يعتمد عليها مثل السابق. وأماكن أخرى يطلق عليها أسماء محلية هي: السليل، عود السلم، الخب، عرق موريا، وقرون الصفيرات، سيح الحضبان الذي يتميز برماله الناعمة والدافئة وتزينه الأشجار الظليلة من مختلف الأنواع، وتكثر به الأعشاب البرية، فهو مأوىً للطيور الأليفة والعصافير.
وقد حظيت قرية جماء بمنجزات النهضة المباركة في العهد الزاهر الميمون، وهي وصول التيار الكهربائي ورصف الطريق من دوار الحزم، وخدمة توصيل المياه وشبكة الهاتف النقال وإنشاء المدارس للبنين والبنات، وفيها من المخططات السكنية الحديثة، فهي تقع شمال الطريق السريع قبل أن تصل إلى جسر مدينة الرستاق، كما يوجد في جماء عدد (7) مساجد يتردد عليها الأهالي لأداء الصلاة، وهي جامع جماء، جامع الرفقة، مسجد الصرناه، مسجد البويرد، مسجد الطبخة، مسجد التركبة، مسجد أولاد الشيخ حمد، ومن المساجد القديمة في جماء مسجد بوطوالع، فهو يقع على قمة جبل شمال القرية.
ويعتمد أهالي القرية على الزراعة بكافة أنواعها المختلفة، ومن أهم المزروعات من الأشجار:
الليمون والمانجو والموز والرمان والتين والزيتون والعنب وغيرها من الأشجار المثمرة، وكذلك من أهم المزروعات أشجار النخيل التي تكثر في جماء، نخلة المبسلي ويعتمد عليها الأهالي اعتماداً كليّاً، خصوصاً في موسم القيظ، وتأتي بعدها الأنواع الأخرى مثل النغال والفرض والزبد والخصاب والخلاص والجبري، وقش جماء هو الآخر لا تجده في قرية أخرى غيرها، والهلالي والخنيزي وقش سويح، وبما أن الأهالي يعتمدون أكثر على نخلة المبسلي خلال موسم القيظ، حيث يطبخ البسر في أماكن مخصصة تسمى التركبة، والتي يصل عددها إلى (6) تركبات موزعة في القرية، وهذا العدد يدل على اعتناء الأهالي بالبسر والفاغور الذي يجفف تحت أشعة الشمس لفترة زمنية كافية، ومن ثَمّ يُجمع مرّة أخرى في صناديق خاصة، ويصدّر إلى التسويق المحلي، ويعود بالمال الوفير على المُزارع الذي بذل فيه أقصى جهد عند كل مرحلة حتى تم تسويقه. ومن الأشجار الظليلة التي يمكن الاستراحة تحتها هي شجرة الرطاء والسلي والرمث، بالإضافة إلى السدر والغاف والسمر، وكان قديماً يسكن تحت تلك الأشجار المواطنون الذين يأتون جماء في موسم القيظ من ولاية المصنعة، كما يوجد بالقرية من الأفلاج الشهيرة هي فلج جماء البويرد، ويعتمد عليه بعض الأهالي في سقي المزروعات، والبعض الآخر من الأهالي يعتمدون على الآبار الجوفية، وقد تفنن الأهالي في جعل أحد الأفلاج يمشي في باطن الجبل ويسقي هناك اماكن معينة يطلق عليها اسم الروضة ونزوى، وهي مسميات محلية ولكن لها شهرتها العالية منذ زمن الآباء والأجداد رحمهم الله.
ويوجد كذلك في قرية جماء واديها المشهور الذي يطلق عليه وادي الفرعي الذي تكثر فيه شجرة السيداف، ويمر الوادي في وسط القرية، وعند هطول الأمطار ونزول الأودية يستضيف المياه الآتية إليه من أودية الرستاق مثل وادي السحتن، وادي المنصور، وكلها تصب في وادي الفرعي، حيث يستمر في جريانه إلى أن يصل قرية الطريف بولاية المصنعة، ويعتمد الأهالي على الزراعة وتربية الماشية والجِمال وخلايا النحل، فهي مصدر للرزق، وما زالوا يتمسكون بالموروث العماني من الفنون الشعبية مثل الرزحة، والقصافي، والعازي، وهمبل البوش، وشعراء في فن الميدان وسباقات الهجن. وتقام تلك الفنون في المناسبات المحلية والأعياد الوطنية.
وتعتبر قرية جماء بشكل عام من القرى السياحية الجميلة والخصبة بولاية الرستاق، ولا شك بأنها تستحق الزيارة كباقي القرى من أجل قضاء يوم سياحي ممتع فيها، حيث تمتاز عن غيرها بذلك الطقس البارد بعض الشيء في وقت المساء، وجوّها المعتدل اللطيف وهوائه العليل على كثبانها الرملية الناعمة في غاية الجمال والروعة، تداعب نسماتها أغصان الأشجار الظليلة، فهي طبيعة خلابة تعشقها العيون.