2024
Adsense
مقالات صحفية

الوعد المبين

ثريا بنت علي الربيعية

فلسطين أرض العروبة، مهد النبوات، أرض الأحرار ومهبط الرسالات السّماوية، لها مكانة عظيمة في نفس كل مسلم معتزٍّ بهويته؛ وبالطبع لا تخفى علينا هذه المكانة السامية في القرآن الكريم والسنّة النبوية، فهي تتجسد كرمزٍ من رموز الرِباط في لُحمة الأمة الإسلامية، أرضٌ شرّفها الله عزّ وجلّ باحتضان المسجد الأقصى المبارك “بيت المقدٍس” الذي باركه الله ومن حوله، وفيه حدثت المعجزة الباهرة، فكان مسرى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السّماوات العُلا، وفي واقع الحال هي الدرّة الثمينة التي استبسل آلاف الشهداء للدفاع عنها وتحريرها من يد الصهاينة الغاصبين وعبث العابثين، ليؤمّن كل حرّ على أرضها عزّة العيش، وينال شرفاً ورفعةً بالصلاة على ثرى الأقصى المبارك؛ كونه القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين.

وبعدما ضجّت وسائل الإعلام معلنةً عن الانتفاضة القادمة لأهل فلسطين، مُشيرةً لقوة إيمانهم ويقينهم بالقضية التي هي ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم القادم، ونحن إذ نقف إجلالاً واعترافاً بشجاعة هؤلاء الشباب المُرابطين، الذين فاقت قدراتهم المعنوية كل التوقعات، وأبهجت غزة العالم الإسلامي بما قدّم شبابها من مستوىً قتاليّ كبير، كان كفيلاً بقلب كفّة الميزان على رأس العدو الظالم.

وفي حقيقة الأمر نجد أنها انتفاضة مثّلت كل قلوب المسلمين في شتّى بقاع العالم؛ إذ استشعرنا كلنا نشوة النصر، مهما بدا حجم هذه الانتصارات يسيراً، حتى بتنا نتحرّى كل خبرٍ في كل وسائل الإعلام، وأمسينا نترقّب كل لقاءٍ يطمئننا عن الوضع القائم، متفائلين بالخير القادم، بل ننتظر بلهفةٍ الانتصارات المتتابعة للمجاهدين، ندعو لإخوة لنا -رغم صغر سنهم – كباراً بأفعالهم، بذلوا أغلى الأنفس، وأعز ما مالديهم من المال لمواجهة الطغيان اليهودي، صارت الشجاعة والإقدام هي قوتهم الأولى، والكرامة هي سلاحهم الأكبر، معادلتهم الكبرى تقول: إما النصر أو الشهادة، جنّدوا كل جهدهم ليلاً ونهاراً لنجاح المقاومة، وعلى الرغم من إمكاناتهم الدفاعية وأسلحتهم المتواضعة إلا أنّ هذا الطوفان الشعبيّ كان حَريّاً أن يٌحدث زلزلة في الكيان الجبان من الداخل، ويربك حراكهم، إذ بلغ الخوف والهلع في صفوفهم أيّما مبلغ، فصار الهرب مطلباً لضباطهم وقادتهم قبل أفرادهم، وقد كبّدهم الخسائر المادية والمعنوية الفادحة، وفي مقابل عتادهم وعدتهم المتطورة أصبح حالهم يتردى، و قلوبهم شتى، وهذا هو حال كل معتدٍ أثيم ديدنه النفاق وطبعه الخيانة، يسلب الحقوق، ويعدم الحرية، فلا بد له من نهاية محتمة.

لا ريب بأن القضية الفلسطينية ستظل هي القضية الأسمى مهما حاولت قوى الظلم إخمادها والقضاء على أبطالها، ستبقى مرفوعة الراية؛ والشاهد على ذلك ما سبق من قيام انتفاضات ومحاولات عدة عبر التاريخ للبواسل من أهل الحق المسلوب أبناء فلسطين، كان همهم الأول الدفاع عن مقدساتهم، واستعادة حقوقهم المهضومة؛ هذا ولم تنسهم صفحات التاريخ، فقد خلدت مآثرهم وتضحياتهم جيلاً بعد جيل، ليتوارث أبناؤهم حمل قضيتهم على كاهلهم، ويتعاهدوا حب فلسطين الأبدي في وجدانهم.

ومن هنا يُحتّم علينا الواجب كإخوة تجمعنا قيَم الإسلام أن نرسّخ فهم هذه القضية جملةً وتفصيلاً في عقول الناشئة؛ ومن الأهمية بمكان أن يعي كل منّا مسؤليته في نصرة أخيه المسلم، خاصةً فيما يمسّ هذه القضية.

بالتأكيد هي ليست كأيّ حربٍ بين طرفين، تثور وتخمد فقط، إنما نتعاهدها في مقدمة أولوياتنا، فهي قضيةأرض ودين وكيان إنسان، سجالٌ بين الحق والباطل، هي قصّة شعب مجاهد يسعى للعيش بحرية وسلام، قصّة يجب أن نتبناها ونثّبت أهدافها في فكر أجيالنا القادمة، ليكون صدى ذكرها حاضراً في كل دار، وفي كل زاوية، وفي كل طريق، ومحور كل حديث مهما طال الزمن، كما كنا نتذاكرها بل نتغنى بها في أبياتنا المحفوظة منذ باكر الطفولة؛(فلسطين داري ودرب انتصاري، تظل بلادي هوًى في فؤادي، ولحنًا أبيا على شفتيَّ).

وفي هذا المقام، نجزِم أنه مهما استبدّ أعداء الدين وأخمدوا ثورة المظلومين وأكثروا من الفساد، سيأتي اليوم الذي يرتقبه كل العالم الإسلامي، تنجلي فيه الغمة، ويتحقق فيه الوعد المبين.

وجملة القول: صبراً وجبراً يا أهل فلسطين، فإن موعدكم النصر، ولسان حالنا يلهج بالدعاء لكم بالثبات والتمكين.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights